بعد في أمل!

يارا المصري

ما زال الروتين اليومي للمواطن اللبناني حافلاً بالهموم والمآسي، إذ يمضي يومياته في الطوابير بحثاً عن أدنى متطلبات الحياة، إلّا أنه ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية، لم تعد الطوابير تنشأ فقط أمام محطات الوقود والأفران وإنما انتقلت إلى السفارات وأبواب المطار بحثاً عن فرصةٍ تُخرج الشاب اللبناني من هذا الجحيم.

لقد شهدت الفترة الأخيرة موجة جديدة من الهجرة التي لم يسبق للبنان أن مر بمثلها إلا في فترتي الحرب الأهلية والحرب العالمية الأولى، وذلك وفقاً لتقرير أعده “مرصد الأزمة” التابع للجامعة الأميركية في بيروت والتي وصفها “بموجة الهجرة الثالثة”. لذا فإن موجات الهجرة التي شهدها لبنان كانت مرتبطة بالحروب والإختلالات الأمنية، إلا انه وعلى الرغم من غياب الصراع العسكري اليوم تبقى الحال أشد صعوبةً لأن الحرب التي يعيشها لبنان اليوم هي حرب نفسية اقتصادية تركت آثاراً نفسية واجتماعية خطيرة في جيل الشباب فلم يعد أمامه إلّا الهجرة للخلاص من المأساة.

كما تنتشر البطالة بين أكثر من نصف الشعب اللبناني وترتفع معدلات الفقر مع غياب الإستقرار الأمني والإقتصادي والإجتماعي، إضافة إلى مؤشرات عن تراجع جودة التعليم مع تفاقم الأزمات المحيطة بالقطاع. كلها ظروف تضافرت لتجعل من حياة الشاب اللبناني فوضى عارمة، تملؤها الحيرة والضياع والقلق، بين القلق على مستقبل ضائع في بلد مصيره مجهول وخوف من حياة جديدة في مجتمع غريب بعيداً عن العائلة.

ويشير مرصد الأزمة التابع للجامعة الأميركية في بيروت أن أكثر من 77% من الشباب اللبناني يرغب بالهجرة اليوم، وهذا مؤشر خطير ذو تداعيات كارثية على مستقبل لبنان. إلّا أنه ومن جانب آخر ثمة إصرار لدى البعض على البقاء هنا، “فإذا غادر الشباب لمن سيبقى لبنان؟ هل نتركه لتلك العصابة الحاكمة لتنهش ما تبقى من خيراتٍ؟”، هذا ما قاله ربيع الشاب اللبناني البالغ من العمر 23 سنة.

وقد كان ربيع من أكثر الشباب حماسة في فترة الثورة وما زال حتى اليوم مؤمناً بأن لبنان لن يموت وأن الأمل ما زال موجوداً. “على الرغم من الظلام الحالك الذي نعيشه لكن لا يجب أن ينسينا بأن ثمة نور في نهاية هذا النفق المعتم وذلك النور هو “نحن”! نحن الشباب من نستطيع التغيير”، تزيد الأزمة من تمسك ربيع بلبنان وتزيد من إصراره على البقاء هنا لأنه وحسب رأيه “إذا غادرنا البلد هذا يعني أننا نسلمهم إياه على طبق من فضة”.

ويُعتبر القلق من أكثر الأسباب التي تخيف الشباب من الهجرة، الخوف من مجتمع غريب، من أشخاص جدد بعيداً عن الأهل والأصدقاء، ويضيف ربيع: “لا أفكر بالهجرة لأني أعيش هنا وسط عائلتي وأصدقائي، فأنا غير مستعد إلى الذهاب للعيش في مكان غريب وحيداً بعيداً عمن أحب”. ويعمل ربيع اليوم في مكتب هندسة بعد تخرجه من الجامعة، وعلى الرغم من انخفاض راتبه، يبقى مصرّاً على عدم الهجرة من لبنان، “علينا الصبر اليوم والعمل على تغيير الواقع الحالي فالإنتخابات المقبلة هي بمثابة فرصة لتغيير واقعنا وعلينا ألّا نضيعها، على الرغم من توفر الفرصة لدي لمغادرة لبنان إلّا أنني ما زلت مصرّا على البقاء هنا لعلنا نتمكن مع ما تبقى من شباب مؤمنين بلبنان أن نغير الواقع الحالي”.

نُفاجأ اليوم عند سماع شاب لبناني لا يرغب بالهجرة، أو ما زال لديه أمل بلبنان. فالطبقة الفاشلة استنزفت جميع الطاقات الشابة وفقد لبنان كل ما لديه من نخبة شبابية قادرة على جعله من أفضل دول العالم. كل المؤشرات الحالية تفيد بأن لا تغيير يذكر في الوضع السياسي اللبناني وما زالت المنظومة ممسكة بزمام الأمور. لكن الإنتخابات المقبلة تحمل معها فرصة جديدة للتغيير لعله يتمكن اللبناني من استغلال تلك الفرصة وعدم إضاعتها كما فعل سابقاً. ويختم ربيع: “الثورة اليوم ليست في الشارع وإنما في صناديق الإقتراع، نحن الشباب أمل لبنان ومستقبله، والخيار بين أيدينا… وبعد في أمل!”.

شارك المقال