سقطت “شرعية” المقاومة

عبدالرحمن قنديل

في مثل هذه الأيام منذ أربعة عشر عاماً سقطت شرعية المقاومة وتبيّن زيفها، يوم تحولت إلى مجرد ميليشيا تنفذ “أجندة” مرشدها، فقامت بغزو بيروت واحتلالها كرمى لعيون راعيتها التي توجت لاحقاً نصرها باحتلال أربعة عواصم عربية من بينها بيروت.

شكل “حزب الله” بالنسبة الى بيروت وأهلها كما بالنسبة الى الدول العربية حالة مقاومة للعدو الإسرائيلي توجت في أيار العام ٢٠٠٠ يوم انسحاب قوات الاحتلال من الجنوب ثم العدوان الاسرائيلي على لبنان في العام ٢٠٠٦، فنجح الحزب في تكوين حالة مقاومة فرضت مكانتها في الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان.

كان هناك جزء وازن في الشارع البيروتي ينظر الى “حزب الله” هذه النظرة، وكذلك المحيط العربي الذي تعاطف مع هذه الحالة وكانت صور أمينه العام داخل هذا المحيط وداخل الشارع البيروتي هي الترجمة الحقيقية لهذا التعاطف وامتداداته.

الا أن مفاعيل هذا التعاطف انتهت بتاريخ ٧ أيار عام ٢٠٠٨، يوم تحول “حزب الله” إلى قوة احتلال ميليشياوية غزت العاصمة التي احتضنته وفتحت بيوتها له، وتوجت بإعلان أمينه العام أن ٧ أيار هو “يوم مجيد” من أيام المقاومة، مطلقاً الرصاصة الأخيرة على هذه الأسطورة الزائفة إلى أن أصبحت في يومنا هذا أسطورة بائدة.

احتل “حزب الله” بيروت وسيطر عليها تحت ذريعة الاشتباك الحكومي آنذاك في ما يتعلق بشبكة الاتصالات اللاشرعية التابعة للحزب، وحاصر مرجعيتها الوطنية في دار الفتوى وقصر قريطم اللذين واجها هذا الحصار بصمود هائل على الرغم من القصف الذي تعرض له قصر قريطم من القوة المحتلة، إلا أن الرئيس سعد الحريري أبى ترك بيروت تجابه بمفردها فشاركها حصارها وحسرتها، وخاطب المحتل الايراني: “بدك راسي تعى لعندي أنا شو ذنبها الناس”، على عكس ما روّج له من طالب قيادة مخابرات الجيش بحماية ثكنته العسكرية من بطولات من صنع خياله المريض واتهامات الانبطاح، وهو نفسه عجز عن فك الحصار عن دار الفتوى وقصر قريطم.

وهو ومن على شاكلته يسعون الى تشويه التاريخ ويقومون باستغلاله لمصالح انتخابية أو وفق تعبيرهم لـ”المعارك السيادية” بادعاء البطولات، وهم من كانوا في موقع المتفرجين ملتزمين تحييد مناطقهم عن المواجهة التي ينصّبون أنفسهم ملوكها.

كشف “حزب الله” قناعه أمام البيارتة وأصبح هناك عداء بالغ مع حالته، كلما تذكروا يوم ٧ أيار المشؤوم والشهداء العزّل الذين سقطوا وضاع حقهم على مذبح تسويات اقليمية مكّنت الحزب من السيطرة على الدولة بذريعة الثلث المعطل الذي عطل البلد سياسياً، اقتصادياً، واجتماعياً كرمى لعيون قوة السلاح ومن معها. واستمر هذا التعطيل حتى وصولنا إلى الانهيار التام الذي سببه العهد الجهنمي الخاضع لقوة السلاح غير الشرعي.

لا شك أن “حزب الله” استطاع من خلال التكشير عن أنيابه نزع صفة المقاومة عنه وتحويل نفسه الى مجرد ميليشيا ارهابية يبدأ دورها في بيروت مروراً بدمشق ثم العراق وصولاً الى اليمن كفصيل ايراني يهيمن ويسيطر على مفاصل الدولة. وتوج هذه الهيمنة بتاريخ ٧ أيار وورقياً باتفاق الدوحة الذي جعل البلد رهينة “مقوننة” له عمادها الثلث المعطل بغطاء ومباركة من المجتمع الدولي، سامحاً لنفسه بتعطيل الحكومات واللعب بالدستور وبإيقاع الفراغ وضرب شرعية أي انتخابات تقام بسيف الثلث المعطل الذي كسبه نتيجة تحوله الى ميليشيا محتلة لبيروت وللدولة، بحيث كلما سارت الرياح بما لا تشتهي سفنه كمحتل جعل تهديده بـ”٧ أيار جديد” نغمة على لسانه تحدياً للدولة وللشعب ولمشاعر البيارتة العزل الذين احتل عاصمتهم وقتلهم من دون أن يرف له جفن.

شارك المقال