بين الضيعة والمدينة

ساره عكاري
ساره عكاري

إن لم تستمع إلى اللبنانيين يخوضون نقاشات عميقة ومطوّلة حول أي منطقة لبنانية هي الأجمل، فأنت تفوّت الكثير! تلك الأحاديث هي الأصدق إن لم تكن الأغنى خاصةً عند سماع كلّ لبناني يدافع وبشراسة عن منطقته، مسقط رأسه، فيأخذك حديثه إلى جولة افتراضية في مخيّلتك إلى كل المعالم السحرية التي تخبئها تلك المنطقة.

حالتي كحال جميع اللبنانيين، أزداد فخرًا عند سؤالي “من أي منطقة انتِ؟” لأجيب والبسمة تظهر على وجهي “روميّة المتن”. ولكن يخيب أملي حين يبادر أحد بالقول إن رومية لا تُعرَف الا بوجود السجن فيها، ليتحوّل الحديث إلى نكتة: “ساكنة بالحبس يعني”. بالطبع كان هذا التعليق يزعجني في بادئ الأمر، ولكنني أعلم تمامًا أن من يمضي نهارًا واحدًا في طبيعة رومية الخلّابة ويعيش تجربة “المدينة – القرية” سيقع حتمًا في حب رومية كسائر سكّان الضيعة.

غريب أننا لا نزال نطلق اسم “الضيعة” على هذه المنطقة بالرغم من أنها تظهر ملامح المدينة الصناعية المتطورة، حيث يلتقي الرقيّ والجوّ المرح في أحضان منطقة صغيرة تكاد تُخفى عن خريطة لبنان. فهي ضيعة الشبّان والشابات الذين يمضون نهارهم في ملعب رومية بين الرياضة وألعاب التسلية، في حين رجالها يتجمعون على طرف إحدى طرقاتها يتحدثون عن الأوضاع العامة فيما يلعبون “دق ورق” لتمضية الوقت. أما نساؤها، فتارةً تراهن يتنزهن في ساحة كنيسة مار عبدا، وتارةً أخرى تراهن على شرفات المنازل يشربن فنجان القهوة بعد نهارٍ شاقٍ في العمل المنزلي.

وكيف لنا أن ننسى أطيب منقوشة في الصباح الباكر عند “فرن عنتر” الذي ومنذ الصغر أعشق طعم المنقوشة اللبنانية التقليدية الذي يخبزها. وكيف لا نذكر مهرجانات الصيفية التي تجمع أبناء الضيعة للاحتفال بتلك الجوهرة المخفية في قلب جبل لبنان.

صغيرة هي منطقتي مقارنةً بالمناطق اللبنانية الأخرى، ولكنها تحتلّ نطاقاً واسعًا في قلوب سكانها، كيف لا وهي منطقة أحراج الصنوبر ومياه العين ومنظر غياب الشمس فوق المتوسط الذي لا يملّ منه بقدر ما هو سحري. انها منطقة الطاقات الشبابية والمستقبل الواعد الذي سيظل يجمع بين تقاليد القرية الأحب على قلب اللبنانيين وانفتاح وتطوّر الأجيال في مدارسها وجامعتها اللبنانية.

قد لا تكون المنطقة الأجمل في عين اللبنانيين ولكنها بالطبع المنطقة الأحب على قلبي، ففيها ذكريات الطفولة وفيها الحاضر والمستقبل الواعد.

 

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً