رحيل “العمدة”… حامل هموم الفلاح والطبقة المتوسطة

زياد سامي عيتاني

رحل “العمدة” صلاح السعدني، بعد مسيرة فنية حافلة أغنت الدراما والمسرح والسينما، فهو كان صاحب مشروع فني، كونه إبن الطبقة المتوسطة المهموم دائماً بمشكلاتها وقضاياها، وكذلك القومي الذي حمل هموم الوطن في قلبه وعقله دائماً، وهذا ما ظهر في كثير من أعماله. لم يكن باحثاً عن شهرة أو مال بقدر ما بحث عما يقدمه لوطنه من خلال فنه وموهبته التي ساعدته في ذلك، إلى جانب خلفيته الثقافية والسياسية التي نشأ وتربى فيها على حب الوطن وحمل همومه حتى أنه في أحد تصريحاته الصحافية قال: “إن الفن هو شاغلي الأول، لكن السياسة هي حرفتي وهوايتي”.

أعمال كثيرة خالدة ومهمة أرّخت لمصر وتاريخها وتاريخ المواطن المصري وما طرأ عليه من تغيرات اجتماعية وسياسية صاغها السعدني وقدمها بكل إقتدار وكفاءة، هو “العمدة” و”حسن النعماني” الباحث عن الهوية والفلاح الواعي الرافض للاحتلال في كفر عسكر والمستشار العادل والعالم الوطني.

بدأ صلاح السعدني مسيرته الفنية في أوائل الستينيات من خلال مسلسل “الضياع” عام 1960 مع المخرج محمد فاضل، ثم مسلسل “الضحية” عام 1964 مع المخرج نور الدمرداش، وبعدها انطلق الى السينما حيث شارك في عِدة أعمال مهمة مثل “الأرض” و”أغنية على الممر” و”الرصاصة لا تزال في جبيبي”، ثم مسلسل “أبنائي الأعزاء شكراً” والذي يعتبر نقطة التحول في مشوار السعدني، وفي غضون سنوات قليلة استطاع أن يشق طريقه نحو القمة والنجومية من خلال موهبته الفطرية وثقافته الكبيرة وملامحة المصرية والتي كانت جواز مروره الى قلوب الجمهور وأيضاً حُسن اختياره لأدواره.

ولأنه ينتمي الى عائلة ذات خلفية سياسية كبيرة كان لا بد من أن يكون للسياسة دور في مشواره الفني. في مطلع السبعينيات وتحديداً في أيار 1972 تعرض شقيقه الكاتب محمود السعدني للاعتقال، ومن خلال ندوة في الجامعة وجه السعدني النقد الى الرئيس أنور السادات، ثم صدر قرار في شباط 1973 شمل صلاح السعدني ومحسنة توفيق ويوسف إدريس وعدداً كبيراً من الفنانين والصحافيين بمنعهم من العمل ونقلهم إلى هيئة الاستعلامات، وأدى ذلك الى توقفه ومنعه من العمل لسنوات، ثم عاد الى مواصلة المشوار في نهاية السبعينيات وحقق نجاحاً كبيراً حتى اعتقاله ومنعه من العمل مرة أخرى على خلفية إعتقال شقيقه محمود السعدني.

إعتبر التلفزيون وما قدمه من مسلسلات من خلاله تعويضاً عن غيابه عن شاشة السينما التي كان دائماً يحلم بها وغاب عنها لأسباب خارجه عن إرادته إما بسبب السياسة أو بسبب ما عُرض عليه من أفلام مقاولات رفض العمل فيها. وفي هذه الفترة شارك في عدد من المسلسلات في دول الخليج حتى يستطيع الإنفاق على زوجته وابنه، على الرغم من ذلك لم يندم على موقف اتخذه أو عمل شارك فيه لأن كل ما قدمه كان عن اقتناع تام مهما كانت النتائج.

علاقة السعدني بالزعيم عادل إمام كانت منذ مسرح الجامعة في كلية الزراعة فهما صديقا العُمر تشاركا في الحلم والرحلة والبداية نفسها. بعد التخرج من كلية الزراعة تقدما للعمل في وزارة الزراعة وطردهما معاً في أول يوم عمل. وقدما معاً عدداً من المسرحيات في مسرح الجامعة، ثم إنطلقا سوياً في التوقيت نفسه، شارك عادل مع فؤاد المهندس في مسرحية “أنا وهو وهي” من خلال شخصية دسوقي أفندي، وشارك السعدني في مسرحية “لوكاندة الفردوس” مع أمين الهنيدي، وإنطلقا بعد ذلك كل في مشواره، لكن لم تتوقف الصداقة ولا الدعم كلما إحتاج أحدهما الى الآخر. من المصادفات الكثيرة بينهما، أن السعدني شارك في مسرحية “زهرة الصبار” مع سناء جميل وعبد الرحمن أبو زهرة وعندما تم تحويلها إلى عمل سينمائي “نصف ساعة جواز” لشادية ورشدي أباظة شارك عادل إمام في الدور نفسه الذي قدمه السعدني على المسرح.

مسلسل “أرابيسك” احدى علامات السعدني التلفزيونية، كتب خصياصاً لعادل إمام الذي إختلف مع صُنّاع العمل وانسحب ليذهب الدور بعد ذلك الى سعيد صالح ثم صلاح السعدني. إشترك السعدني مع عادل إمام في فيلم “الغول” والذي حصل من خلاله على جائزة أفضل ممثل دور ثان.

لعبت الصدفة دوراً كبيراً في مشوار السعدني، فمسلسل “أرابيسك” ذهب إليه بعد إنسحاب بطله الرئيسي، وأيضاً “ليالي الحلمية” تم ترشيحه له بعد انسحاب سعيد صالح والذي كان محطة فارقة وعلامة في مشوار “العُمدة” اللقب الذي منحه إياه الجمهور بعد تألقه في هذا العمل على مدار خمسة أجزاء، قدم بعدها علامات مهمة في تاريخ الدراما العربية، منها: “الناس في كفر عسكر”، “حلم الجنوبي”، “الأصدقاء”، “أرض الرجال”، “رجل في زمن العولمة” وأعمال كثيرة باقية في ذاكرة الدراما والجمهور.

هناك أعمال رفضها “العمدة” وبعد أن حققت النجاح حزن لأنه لم يشارك فيها مثل فيلم “الهروب” في دور الضابط سالم والذي جسده بعد ذلك عبد العزيز مخيون، وفيلم “الدنيا على جناح يمامة” في الدور الذي قدمه يوسف شعبان، وأيضاً فيلم “يوم مر ويوم حلو” وفيلم “المواطن مصري”، لكن خلال مشواره الفني لم يقدم ما يخجل منه أو يندم عليه.

“العمدة” هو موهبة إستثنائية صنعت منه أسطورة فنية على الرغم مما واجهه من صعاب. مشوار فني حافل على مدار 60 عاماً، بدأ من “الضياع” عام 1960 حتى آخر عمل “القاصرات” عام 2013.

شارك المقال