هل يعرقل توزيع الخسائر التفاوض مع “الصندوق”؟

المحرر الاقتصادي

لا شك في أن رفع الدعم كلياً عن المحروقات سوف يمهد الطريق أمام الحكومة لاستئناف تفاوضها مع صندوق النقد الدولي وأخذ “الختم منه ما يفتح لها الكثير من الأبواب”، على حد تعبير رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

يطرح مجلس الوزراء في جلسته اليوم في بعبدا أسماء الفريق الذي سيتولى التفاوض مع صندوق النقد الدولي بعد الاتفاق حولها بين ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون الذي سمى من طرفه مستشاره الاقتصادي شربل قرداحي، فيما كان مستغرباً أن يصار الى تسمية شخصية حزبية في عداد الوفد خلافاً لتأكيدات عون وميقاتي أن الحكومة ليست سياسية ولا تمثل الأحزاب. اذ أشارت مصادر الى انه جرى تسمية المسؤول المالي في “التيار الوطني الحر” رفيق حدّاد ليكون من ضمن الوفد المفاوض الذي سيكون برئاسة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي. هذا الأخير له باع طويل في العمل مع صندوق النقد الدولي، كونه أمضى عشرين عاماً في صندوق النقد الدولي، حيث انصب تركيزه على صنع السياسات الاقتصادية، ووضع برامج واستراتيجيات الإصلاح الاقتصادي والمالي للدول الأعضاء. كما شغل مناصب رفيعة عدة كان آخرها مساعد مدير في دائرة الشرق الأوسط ووسط آسيا لدى صندوق النقد الدولي.

صحيح أن إجراء رفع الدعم كلياً المتوقع قريباً جداً – على اعتبار أن مصرف لبنان لا يزال الى اليوم يدعم شراء المحروقات على أساس سعر منصة “صيرفة” البالغة 14 ألف ليرة – هو أحد الشروط التي يفترض تنفيذها لبدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي. لكن هذا الاجراء، وعلى رغم أهميته، ليس سوى حجر صغير في طريق طويلة وشاقة نحو امتثال لبنان الكامل لبرنامج صندوق النقد الدولي الذي أعلن انه أجرى مكالمات مع أعضاء الحكومة الجديدة وانه على استعداد للتعاون.

فالطريق تبدأ بالتوصل الى إعداد خطة إنقاذ اقتصادية مالية شاملة تشمل حلولاً لمراحل قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل يتفق حولها جميع الأطراف المعنيين، أي الحكومة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، من أجل التوصل الى رقم موحد للخسائر يُوزّع بشكل عادل بين الجميع بحيث لا يتحمّل المودعون العبء الأكبر من الخسائر. وهو ما كان حاصلاً في خطة التعافي التي وضعتها حكومة الرئيس حسان دياب والتي كان مصيرها الأدراج بعدما تعرضت لتهشم من المصارف ومصرف لبنان ولجنة تقصّي الحقائق التي انبثقت من لجنة المال والموازنة النيابية. ويكشف ميقاتي في هذا الاطار أنه تم التواصل مع فريق شركة “لازارد” الفرنسية التي كانت أعدت خطة التعافي السابقة بهدف العمل على تحديثها، لا سيما أن الارقام الواردة فيها احتسبت على أساس سعر صرف 3500 ليرة للدولار الواحد فيما تخطى الرقم عتبة الـ15 ألفاً. ووفق ما ورد في الخطة، تقدر خسائر النظام المالي بـ241 ألف مليار ليرة أو ما يعادل 90 مليار دولار بسعر الصرف الذي طبقته الخطة.

تقول مصادر مطلعة على ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي لـ”لبنان الكبير” إن الصندوق لن يكون متهاوناً في شروطه مقابل توفير دعمه للبنان، وهو حال الدول المانحة، والذي عكسه اللقاء الذي جمع ميقاتي بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في باريس منذ أيام. فالأخير كان واضحاً في مطالبة ميقاتي بتنفيذ الشروط المعروفة سلفاً قبل تأمين أي دعم مالي للبنان.

لا شك في أن إزالة العقبة الأولى أمام التوصل الى ابرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي والمتمثلة بالاتفاق على توزيع عادل الخسائر، ستكون مهمة شديدة الصعوبة. وقد تثار حولها الكثير من الانتقادات والاعتراضات كالتي واجهتها خطة التعافي السابقة. لكن المصادر إياها ترى أنه ليس أمام لبنان خيار بديل من الصندوق لوضع حد للنزيف المالي الكبير ووضع الاقتصاد على السكة الصحيحة، مما يستدعي تقديم “تنازلات” في شأن تحديد الخسائر وتوزيعها، الأمر الذي سيؤدي الى احتمال التوصل إلى اتفاق صعب التحقق قبل الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في آذار المقبل. وتضيف المصادر انه على لبنان أن يطبق الحد الأدنى المطلوب منه، بما في ذلك الاعتراف بالخسائر في القطاع المصرفي والمصرف المركزي والاتفاق على توزيع عادل لهذه الخسائر.

وكان مصرف “غولدمان ساكس” قال في تقرير قبل أيام، إن التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة من المرجح أن “يكون من الصعب تحقيقه، ويمثل عقبة حرجة على الطريق نحو التعافي”.

من جهتها، مصادر مصرفية قالت إن المصارف باتت أكثر استعداداً للاعتراف بالحاجة إلى “إعادة هيكلة مناسبة”.

وتتلخص أبرز شروط صندوق النقد الدولي في موافقة مجلس النواب على قانون الكابيتال كونترول، وتوحيد سعر الصرف، وإعادة هيكلة الدين العام، وإعادة هيكلة مصرف لبنان والقطاع المصرفي، وإصلاح قطاع الكهرباء. على أن العديد من الإصلاحات التي قد يسعى صندوق النقد الدولي إلى تحقيقها، بما في ذلك الدعم وتوحيد أسعار الصرف المتعددة في الاقتصاد النقدي، باتت حقيقة واقعة مع جفاف العملة الصعبة. فالأرقام الرسمية الصادرة عن مصرف لبنان تشير إلى أن موجوداته من العملات الأجنبية وصلت الى الخط الأحمر المرسوم لتوظيفات المصارف الالزامية لديه- وإن لم تكن قد تخطته، اذ بلغت حد الـ12.9 مليار دولار.

وفي المقلب الآخر، تبرز شكوك كثيرة حول قدرة الحكومة على التفاوض مع صندوق النقد الدولي، حيث يرى محللون أن ما ستقوم به في الفترة المقبلة هو تأمين نوع من الاستقرار قبيل الانتخابات النيابية تحت مسمى الإصلاحات.

شارك المقال