كيف سيجتاز الضمان الأزمة المالية والاقتصادية؟

فدى مكداشي
فدى مكداشي

لطالما تغنّى لبنان بالمؤسسات التي أنشأها في ستينيات القرن الماضي والتي كانت تشكّل ضمانة الدولة اللبنانية، من مؤسسات الرقابة وصولاً إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. والحق يقال أنّ لبنان سبق محيطه في إنشاء هذه المؤسسات التي اعتُبرت الركيزة الأساسية للعقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين.

وشكّل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أهم ضمانة للعمال والعاملين في مختلف الميادين والحقول، لجهة تأمين التغطية الصحية والاجتماعية وضمان نهاية الخدمة، أي ما يسمّى بالتقاعد. لكن أمام هول الكارثة والانهيار المالي والاقتصادي الذي يعصف بلبنان، بات صندوق الضمان في مهب الريح. هذه المؤسسة التي كانت أحد أعمدة العقد الصحي والاجتماعي للعمال، باتت تتخبّط في تقديم خدماتها، إذ لم يعد بإمكانها الاستمرار بتقديم التغطية الصحية كما يجب في ظل ارتفاع الكلفة الاستشفائية بشكل كبير جداً، وفي الوقت عينه باتت تعويضات نهاية الخدمة عرضة للتآكل بعدما أصابها التضخم وتراجع المدخرات. وبالتالي، بات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بحاجة ماسّة لمؤسسة جديدة تنقذه من الورطة التي وُضع فيها.

استدراكاً للواقع المشار إليه، بدأ المسؤولون في الضمان الاجتماعي بالتنسيق مع وزارة العمل والوزارات المعنية الأخرى سلسلة اجتماعات مع كل القطاعات الإنتاجية والخدماتية والتجارية والصناعية والعمالية لمحاولة اجتراح حلول للمشاكل التي يواجهها.

واقع الضمان الاجتماعي

وفي هذا السياق، يؤكد رئيس “الاتحاد العمالي العام” في لبنان بشارة الأسمر، أنه “يتوجب للضمان على الدولة اللبنانية مبلغ يوازي 4500 مليار ليرة لبنانية، والمطلوب أن يصار الى تسديد كل المبالغ المتوجّبة لمصلحة الصندوق، سواء من الدولة أو المؤسسات الخاصة، حينها يستطيع الصندوق تلبية المتطلبات الاستشفائية بالأسعار الجديدة والمواكبة لسعر السوق”.

أما بالنسبة لتعويض نهاية الخدمة، فإن مطالب الاتحاد العمالي العام، كما يشير الأسمر، تتمحور حول “إمكانية الوصول مع المعنيين لسحب التعويضات على أساس 1500 ليرة وصرفها على 3900 ليرة لبنانية، مما يحسّن من قيمتها التي أصبحت هزيلة جداً بعد التدهور المالي الحاصل في لبنان. كذلك، العمل على إحياء قانون التقاعد بدلاً من التعويض، مشيراً إلى أنّ صندوق تعويضات نهاية الخدمة يحتوي 16 ألف مليار ليرة موجودة بالكامل، وهي تكفي لصرف تعويضات المضمونين”.

القطاعات التجارية

من ناحيته، أشار الأمين العام للمنظمات الاقتصادية اللبنانية ورئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، إلى أنّ “وضع الضمان مثل سائر مؤسسات الدولة، مقلق للغاية، إنما هو أساسي جداً، لأنه يسيّر أوضاع أكثر من مليون لبناني من الناحية الصحية والاستشفائية وبخاصة موضوع نهاية الخدمة، لافتاً إلى أنّ هناك 7 مليارات تحوّلت إلى 500 مليون دولار أميركي مع انهيار العملة، وشأنها شأن كل الودائع المصرفية وكل الاستثمارات بسندات الخزينة بالليرة”.

أما كأصحاب عمل، يشير شماس إلى أنه “منذ سنتين، بادرنا لأن تكون هناك تغطية صحية للموظفين بعد التقاعد، وزدنا الاشتراكات. وأصحاب العمل التزموا بتأمين تغطية صحية بعد التقاعد. هذا كله لنقول إننا متمسكون بالضمان من حيث التغطية الصحية ومن حيث التقاعد”، محذّراً من أنه “في حال استمر هذا الوضع، فسيرتد سلباً على أصحاب العمل الذين سيضطرون لأن يدفعوا مبالغ كبيرة لتعويضات نهاية خدمة موظفيهم. والذي يزيد الموضوع سوءاً، هو أنّ صندوق المرض والأمومة في عجز مزمن منذ 20 سنة ويستخدم بشكل غير قانوني بصندوق نهاية الخدمة”.

القطاعات الصناعية

من جهته، يؤكد نائب رئيس جمعية الصناعيين جورج نصراوي، أنّ “الضمان غير مفلس بل يتمتع بفائض مالي، إنما ماله محجوز عند الدولة، أي لديه ما يعادل الأربعة آلاف مليار مستحقات”، محذراً من أنّ هذا الوضع يمسّ بصندوق المرض والأمومة، وبالتالي هو بحاجة ماسّة إلى السيولة، لافتاً إلى أنّ المشكلة الأساسية هي أن الضمان يعاني إهداراً وتراجعاً بأداء عمله بسبب عدم وجود التقنيات الحديثة والمكننة، مؤكداً ضرورة أن يصار إلى اعتماد نظام جديد وتعيين أناس أكفياء للإدارة من أجل تصحيح مسار الضمان والمحافظة على تعويض نهاية الخدمة”.

وعن مشكلة المهل للشركات التي لم تسدد، يؤكد نصراوي “ضرورة إعادة النظر بهذا التعثر وإعادة تقسيط الديون للشركات التي لديها استحقاقات من خلال تسوية مع الضمان، لأنه لا سيولة نقدية، بخاصة أنّ القطاع المصرفي توقف عن التعامل مع الشركات، وبالتالي أصبح اقتصاد البلد كله يحتاج إلى إعادة هيكلة”.

الضمان “مسؤول”

وفي هذا السياق، الضمان يساهم بتغطية نحو 1.250 مليون مضمون، موزّعين بين مختلف القطاعات والمجالات العمالية، وفق الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة. و”يُعتبر في هذا المجال مسؤولاً عن هؤلاء العمال صحياً، إضافة الى التقاعد بموجب ما يسمى تعويض نهاية الخدمة. وطوّر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعض قوانينه منذ سنوات بحيث فتح المجال أمام بعض المضمونين بشروط معيّنة للحصول على راتب تقاعدي، وكون مؤسسة الضمان هي إحدى المؤسسات الضامنة الرئيسية في لبنان، فإنّ الكثير من المؤسسات الاستشفائية والمختبرات والأطباء يرتبط عملها بهذه المؤسسة بشكل وثيق”.

وانخفضت إيرادات الضمان، إذ أصبحت ضئيلة جداً نسبة للتكاليف والمستحقات المتوجبة على الصندوق لتأدية متوجّباته الاستشفائية ولدفع تعويضات نهاية الخدمة التي تعتبر مدّخرات للعمال تتشكل خلال فترة عملهم.

ويشير علامة إلى أنّ “بعض الدراسات تشير إلى أنّ 50% من عمل المستشفيات كان يقع على عاتق الضمان الاجتماعي. وكل ما تم ذكره أصبح تحت الخطر نتيجة للأزمة المالية والاقتصادية التي تضرب لبنان، ولم يسلم منها كل القطاعات، لافتاً الى أنّ إيرادات الضمان تتوزّع بين نسب من رواتب العمال والمستخدمين، توزّع بين شرائح بنسبة 11% لفرع المرض والأمومة، و6% من أصل الراتب لفرع التعويضات العائلية و8% لتعويض نهاية الخدمة، أي زهاء 24.5% من أصل الرواتب المصرّح عنها للضمان الاجتماعي”.

لقد اجتاح التضخم الحاصل صناديق الضمان وباتت المدّخرات لا تشكّل إلا شيئاً بسيطاً من حاجة العمال للمدّخرات والتعويضات. لذلك أصبح عمل الصندوق مهدداً وتحت خطر التوقف عن إمكان استمراره بالتغطية الصحية، نظراً للارتفاع الهائل لتكاليف الاستشفاء، والتي بات يلجأ إلى استعمال أموال المدّخرات في تعويضات نهاية الخدمة للاستمرار في تأمين التغطية الصحية. هذا الواقع يعرّض الصندوق إلى خطر مالي كبير ينتظره إن لم يعمد بالتعاون مع الجهات المعنية إلى إيجاد حلول سريعة، لكون أعداد المضمونين باتت في خطر في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت أيضاً كل القطاعات، وهناك الكثير من المؤسسات التي باتت عاجزة عن تسديد الاشتراكات المستحقة عن عمالها للضمان، هذا إذا لم نُشر إلى أنّ العديد منها قد أقفل وسرّح عماله، وفي هذه الحالة سيزداد الضغط على صندوق نهاية الخدمة لكون العمال المسرّحين سيلجأون إلى تصفية تعويضاتهم.

شارك المقال