صندوق النقد ليس “بعبعاً”… إنما العبرة بالنيات!

هدى علاء الدين

شكّل لبنان الرسمي وفداً من أجل بدء رحلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي طال انتظارها على وقع انهيار متسارع للأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية، بحيث تنكبّ الحكومة اليوم على وضع خطة اقتصادية شاملة في مهلة لا تتعدى الأسابيع الثلاثة من أجل الذهاب بها إلى طاولة المفاوضات وكسب رهان النجاح.

وفي حديث له مع موقع “لبنان الكبير”، اعتبر الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، أن ما يُشاع عن توحيد الخسائر بين القطاع المصرفي ومصرف لبنان على أنه هو العائق الأساسي أمام الحكومة هو مقاربة غير دقيقة، مبدياً عدم الموافقة عليها لأنها تتناسى بشكل كبير ديون الدولة، مشيراً إلى أنه عندما قررت الحكومة عدم سداد اليوروبوندز، كان ذلك ضريبة للمودعين لأن القطاع المصرفي لم يحصل على هذه السندات من أمواله الخاصة إنما بأموال المودعين. لذا، فإن معالم الخطة الاقتصادية التي ستضعها حكومة ميقاتي لا بدّ من أن تبدأ بهيكلة الدين العام وما يفرض من اعتراف به، فكل خطة تفاوضية لا تحتوي على بند إعادة هيكلة الدين العام وحصر المشكلة بالقطاع المصرفي وتحميله فقط الخسائر المالية ستُضرّ بالمودعين ولن تكون خطة صائبة.

صندوق النقد ليس “بعبعاً

وبحسب عجاقة، فالاعتقاد أن صندوق النقد لديه لائحة شروط يريد من لبنان تنفيذها هو اعتقاد خاطئ، لأنه في الواقع ليس هذا ما يطلبه، بل القيام بإصلاحات وتصحيح مكامن الأخطاء، مشيراً إلى أن الصندوق يعلم جيداً الوضع في لبنان بالأرقام ويُجري حساباته الخاصة المتعلقة بكافة النواحي الاقتصادية والمالية والنقدية فيه. كما أن وصفه بالـ “البعبع” ليس حقيقياً، وهنا يقول عجاقة، ليس دفاعاً عنه لأن لبنان كان قادراً على القيام بالإصلاحات من دون الحاجة لأي جهة خارجية أو دولية، مؤكداً أن الصندوق لا يطلب ولا يفرض شيئاً على أي دولة بل يعطي تصوّراً في حال لم يكن لديها أي تصوّر أو أي أفكار إصلاحية، ولديه مبادئ تتمحور حول ثلاث نقاط أساسية:

1 – الانفتاح على التجارة العالمية استيراداً وتصديراً واستثماراً ولا سيما الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

2 – ترك سعر الفوائد للسوق وعدم تدخل المصرف المركزي إلا في صفقات الاستثمار القصيرة المدى (أقل من عام)، بمعنى آخر لا يحقّ للدولة الطلب من المصارف شراء سندات خزينة تابعة لها إلا في حال رأت أن في ذلك استثماراً جيداً لها.

3 – انسحاب الدولة كلياً من المجال الاقتصادي، وهو مبدأ معتمد في جميع الاقتصادات الليبرالية ينص على أن تُترك الحرية للفرد وليس للدولة. فالقطاع الخاص هو من يتكفل بإنتاج الطاقة والاتصالات والمرفأ وغيرها من القطاعات الحيوية. وهنا قد تكمن مشكلة خلافية تتعلق بالخصخصة، ولا سيما أن صندوق النقد يطلب العمل بها لأنه لا يريد للدولة أن تدخل في المجال الاقتصادي بل أن تكون مراقبة ومنظمة ومشرّعة. إذ ممنوع على الدولة أن تدير أي قطاع تملكه، بل يجب تجييره إلى القطاع الخاص الذي هو قطاع ناجح في لبنان وإذا ما تم استخدام أمواله وخبراته على منصة عامة، سيتحقق بذلك هدف الصندوق.

ما المطلوب من لبنان؟

في ما يتعلق بالجانب اللبناني، يرى عجاقة أنه يجب إعادة النظر في المالية العامة ووضع موزانة واقعية وليس على غرار الموازنات السابقة التي كانت بعيدة من الواقع، وبخاصة الموازنة الأخيرة في حكومة حسان دياب. كذلك، لا بدّ من البحث عن كيفية تحسين إيرادات الدولة في ظرف صعب كهذا، الأمر الذي يفرض تحسين المداخيل من خلال الجباية الضريبية ووضع أفكار بديلة قيد التنفيذ. علاوة على تخفيف الإنفاق العام وبالتحديد الإنفاق الجاري، وهنا لا بد من التطرق إلى القطاع العام والأعداد الهائلة من الموظفين فيه، والحل ليس بصرفهم تعسفياً بل من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص ووضع بند يتضمن أن أي جهة تحصل على صفقة في أي قطاع عام عليها أن تأخذ موظفيه أيضاً لمدة عام أو عامين كي لا يكون هناك إنجازات مالية على حساب الواقع الاجتماعي. ويطلب الصندوق أيضاً الكفاءة في الاقتصاد والحوكمة الرشيدة ومحاربة الفساد، والذي يفرض مكننة الدولة بكل أجهزتها، تزامناً مع الحوكمة المالية وهذه كانت أحد شروط مؤتمر “سيدر”.

حكومة ميقاتي: إقدامٌ أم مماطلة

هل ستستطيع حكومة ميقاتي الإقدام على أي خطوات ملموسة قبل إجراء الانتخابات النيابية، يقول عجاقة: “بالتأكيد، إذ يمكنها وضع التصور لخطة التعافي الاقتصادي على طاولة المفاوضات والبدء بتنفيذ برامج حية تُظهر لصندوق النقد صدقية الطبقة الحاكمة لناحية الشق الاقتصادي. صحيح أن فترة حكومة ميقاتي قد لا تكون كافية لها، لكنها على الأقل تكون قد وضعت الخطة وباشرت في أمور مبدئية كي يبدأ الصندوق منح الأموال اللازمة. وهنا يشير عجاقة، إلى أمر مهم يتعلق بمسألة ضخ الأموال والتي ستراوح قيمتها كحدّ أقصى ما بين 3 و4 مليارات دولار، بأنها ستكون مشروطة بالكابيتال كونترول وضبط الحدود كضمانة كي لا تخرج هذه الأموال خارج الماكينة الاقتصادية سواء بالتهريب أو بواسطة التحويلات المالية أو بحجة الفساد والسلم الأهلي والستة والستة مكرّر. لذا، يجب أن يكون هناك ورشة عمل ورؤية استراتيجية واضحة توجه الاستثمارات وترسم للدولة صورة اقتصادية وتكون مخرجاً للأزمة وسبيلاً لعودة الاستقرار النقدي والمالي وتخوّل لبنان لاحقاً الدخول في استثمارات جديدة بعد خطوة تحرير القطاعات العامة وإنشاء هيئات ناظمة لها، بحيث يأتي المستثمر إلى بيئة استثمارية مريحة له ويدخل في شراكة مثمرة مع القطاع العام.

ولدى السؤال: لنفترض أنه مرّ شهران أو ثلاثة من دون أي نتيجة ملموسة مع صندوق النقد، ودخل لبنان مرحلة الانتخابات النيابية، وبالتالي حكومة جديدة وخطة جديدة في حال عدم عودة ميقاتي مجدداً للرئاسة الثالثة. هل يتحمّل لبنان العودة إلى نقطة الصفر والبقاء في الوقت الضائع إلى ما بعد الانتخابات؟ يقول عجاقة: “هذا الافتراض له بعدٌ سياسيٌ كبير، لكن اقتصادياً بالطبع ليس للبنان أي قدرة على تحمل المزيد من إضاعة الوقت، وفي حال عدم وجود حلول في المدى القصير، فلبنان ذاهب إلى وضع أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم لا يُحسد عليه”.

وعن وجود نية لدى السلطة بعدم إجراء أي من الإصلاحات اليوم بانتظار نتائج الانتخابات النيابية وما هي الطبقة السياسية التي ستنتج منها، يعتبر عجاقة ذلك جزءاً من التحليل السياسي وحكماً على النوايا، مشيراً إلى أنه في عالم المال، لكي تربح الصدقية لا بدّ من قول ما تريد فعله، وتفعل كل ما قلته، والتذكير بما قلت وفعلت. وفي السياسة ينطبق عليها المبدأ عينه، لذا لا بد من الانتظار لنرى ما إذا كان فعل الحكومة على مستوى قولها.

شارك المقال