المصارف تتحرّك “احترازياً” لتفادي إعادة الهيكلة

المحرر الاقتصادي

إنها فترة مصيرية بالنسبة إلى مستقبل القطاع المصرفي في ظل الغموض الذي لا يزال يكتنف التعديلات التي تنوي شركة “لازارد” إدخالها على خطة التعافي المالية، والعبء الذي سيصار إلى تحميله للقطاع المصرفي.

بدأت جمعية مصارف لبنان تحركاتها “الاحترازية” فالتقى رئيسها سليم صفير رئيس الجمهورية ميشال عون ليبلغه استعداد المصارف للعودة إلى ممارسة دورها التقليدي في تحريك الاقتصاد من خلال التسليفات التي يوفرها إلى القطاعات المختلفة. وأبدى صفير استعداد المصارف لـ”تكون جزءاً من الخطة الحكومية للإصلاح والتفاوض على إعادة هيكلة الديون بحسن نية كما تقديم التنازلات الضرورية الممكنة من حيث نسبة الهيركات وشطب الفائدة وجزء من استحقاقات الديون الآجلة للسماح لنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بالانخفاض بطريقة منتظمة تعكس القدرة على تحمل الديون على المدى المتوسط”. كما التقى مجلس ادارة الجمعية وزير المال يوسف الخليل ليطلب منه عدم تغييبه في إنجاز النسخة الأخيرة لخطة التعافي التي ستطرح خلال المناقشات المرتقبة مع صندوق النقد الدولي كما كان حاصلاً في حكومة الرئيس حسان دياب.

وكانت معلومات “لبنان الكبير” أشارت الى أن دور “لازارد” في هذه المرحلة سيكون تقنياً فقط وسيقتصر على تقدير الخسائر، فيما توزيعها يحتاح إلى توافق سياسي مرتبط بالاتفاق على خطة الحكومة الاقتصادية ومسار تفاوضها مع صندوق النقد الدولي ومدى ملاءمة هذا التوزيع مع الشروط التي يفرضها الصندوق. علماً ان هذا الاخير يطالب بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهو ما ترفضه المصارف التي كانت ولا تزال تحارب بشدة هذا التوجه ويأبى أصحابها خسارة موجوداتهم. وهذا ما ترجمته في مقاربتها التي كانت أعدتها رداً على خطة التعافي التي وُضعت اثناء حكومة الرئيس حسان دياب.

ويعتبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن الخطة التي وضعت سابقاً ليست على قدر كبير من الواقعية، وهو ما عبّر عنه في احدى مقابلاته التلفزيونية حين قال انه سيجتمع مع وفد “لازارد” لبحث كيفية تطوير خطة إنعاش مالي وضعتها “لتكون أكثر واقعية” في سبيل إخراج لبنان من أزمته. فهل هذا يعني أن المصارف ستحصل على ما تريد لا سيما أن خطة “لازارد” السابقة تحدثت عن مسارات عديدة لمعالجة الخسائر منها الاقتصاص من الرساميل المصرفية، وإعادة هيكلة السندات بالليرة وبالدولار والتفاوض على قيمتها؟ واذا تم هذا الامر، هل يقبل صندوق النقد الدولي الذي يصر على إعادة هيكلة القطاع المالي ككل كما إعادة هيكلة الدين العام؟

يقول أحد الخبراء المعنيين بالمخاطر المصرفية لـ”لبنان الكبير” إن وجود خطة واضحة لإعادة هيكلة الدين العام هو بلا شك أمر ضروري لكنه ليس كافياً. فأحد الشروط الأساسية القوية لتحسين قدرة لبنان على استعادة قوته الاقتصادية هو وجود قطاع مصرفي سليم. ويضيف في هذا الاطار “إن المصارف فشلت في إجراء تقييم سليم للمخاطر المرتبطة بمصادرها واستخداماتها للأموال. اليوم، تحمل حجماً كبيراً من الأصول المتعثرة التي حدت بشدة من قدرتها على تلبية تدفقات الودائع الخارجة. إن إعادة الهيكلة السريعة وإعادة الرسملة الملائمة أمران لا بد منهما على الرغم من أنه ستكون هناك عواقب”. وهو يرى أنه “إذا لم تتعلم المصارف من الماضي، فلن يكون المستقبل مشرقاً”.

في غضون ذلك، لا تزال محفظة التسليفات لدى المصارف تسجل تراجعات كبيرة لا سيما الى القطاع الخاص، وبلغت 28.5 مليار دولار منذ بداية العام 2019. وبحسب أرقام جمعية مصارف لبنان، فإن التسليفات الممنوحة الى القطاع الخاص وصلت الى 30.9 مليار دولار في نهاية آب 2021 بتراجع نسبته 14.7 في المئة في ثمانية أشهر و22 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبلغت التسليفات الى القطاع الخاص المقيم 17.1 مليار دولار بتراجع 15.4 في المئة عن نهاية العام 2020 و23 في المئة عن نهاية آب 2020. أما التسليفات إلى القطاع الخاص غير المقيم فبلغت 3.9 مليارات دولار في نهاية آب 2021 بتراجع نسبته 8.8 في المئة عن نهاية العام 2020 و16.4 في المئة عن آب 2020. بمعنى آخر، فإن التسليفات الى القطاع الخاص تراجعت بقيمة 5.3 مليارات دولار في الاشهر الثمانية الاولى من العام الحالي مقابل 10.1 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. هذه المؤشرات أدت الى تراجع الدولرة في التسليف من 62 في المئة في آب 2020 الى 58 في المئة في آب 2021.

شارك المقال