القطاع الخاص: ترقّب للمفاوضات وتخوّف من المطبّات!

فدى مكداشي
فدى مكداشي

ما بين الشروط التي سيفرضها صندوق النقد الدولي على لبنان والخطة التي ستتقدم بها الحكومة للتعافي المالي، يترقّب القطاع الاقتصادي خيط الإنقاذ بعين الحذر. فمن المعلوم أن الشروط التي سيفرضها صندوق النقد الدولي تنصّ على تحسين الإيرادات ورفع مستوى الجباية وتعديل أجور العمال والموظّفين. وكلها مسائل تؤثر في وضعية القطاع الخاص الذي دفع الثمن الأكبر منذ بدء الأزمة المالية والاقتصادية وقد بات اليوم على شفير الهاوية.

القطاع المصرفي

وفي هذا السّياق، ونظراً إلى أهمية القطاع المصرفي ودوره المحوري في تحريك العجلة الاقتصادية ونظراً لتأثّره الكبير بالأزمة المالية والاقتصادية، بات لزاماً البحث عن حلول لهذا القطاع وضمان أن تكون خطّة التعافي مراعية لمستقبله. من هنا، يشير كبير الاقتصاديين في “بنك بيبلوس” الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل الى أن “المصارف كانت داعمة للقطاع الخاص إذ أعطتها قروضاً بلغت قيمتها 60 مليار دولار أميركي قبل اندلاع الأزمة، معتبراً أن الخطة المالية للحكومة السابقة والتي تضمنت إلغاء القطاع المصرفي مقابل “شطب” الدين العام بعملية حسابية ورقية من خلال إصدار خمس رخص مصرفية جديدة كانت خاطئة. ففي حال تحقق هذا الأمر سينهار كل القطاع الخاص وليس القطاع المصرفي فقط، مؤكداً ضرورة أن تكون المقاربة جدية وعقلانية والأولوية دعم النمو وتوسيع حجم الاقتصاد من خلال دعم القطاع الخاص وتعزيز تحسين المناخ الاستثماري وتطوير بيئة الأعمال عبر رفع مستوى التنافسية الاقتصادية وإعادة تأهيل البنى التحتية وخفض الأعباء التشغيلية عن كاهل القطاع وعدم اللجوء إلى زيادة ضرائب جديدة في المرحلة الحالية، مؤكداً أن مفتاح النهوض الاقتصادي يتعلّق بقطاع خاص ومصرفي سليم”.

وطالب غبريل الحكومة الجديدة بأن “تضع خطة إصلاحية شاملة تتضمن معالجة الاختلالات المالية العامة والحوكمة والإدارة الرشيدة في القطاع العام وإعادة هيكلة القطاع العام وموضوع الكابيتال كونترول والتفاوض مع الدائنين الذين يحملون سندات اليوروبوندز والموضوع النقدي وتوحيد أسعار الصرف، من أجل إثبات بعض من الجدّية بالتعاطي، مؤكداً ضرورة الإسراع بالمسار الإصلاحي وتطبيقه بحسب الجدول الزمني المتفق عليه وأن تكون أولوية الخطة الإنقاذية توسيع حجم الاقتصاد ورفع مستوى النمو الاقتصادي وتحقيق فائض أولي في الموازنة العامة على سنوات عدة وهذا يكون المدخل لإعادة هيكلة أو جدولة الدين العام وليس العكس”. وعند تحقيق هذه المطالب، الصندوق لن يفتح الحاجة للتمويل فقط، بحسب غبريل، “بل سيشرّع أبواب مصادر أخرى كمؤسسات متعددة الأطراف، صناديق تنمية، ومؤسسات تمويلية تابعة للبنك الدولي كالمصرف الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار والمؤسسة الدولية للتمويل وغيرها من صناديق تنمية إقليمية وخارجية غير عربية”.

القطاع الصناعي

القطاع الصناعي له أيضاً أهمية كبيرة في التنمية الاقتصادية وضمان ربط لبنان بالأسواق العالمية من خلال الصناعات التي تؤمن إنتاجاً “سلعياً” يستطيع الدخول من خلالها إلى الأسواق العالمية. وفي هذا الإطار، يرى نائب رئيس “جمعية الصناعيين اللبنانيين” جورج نصراوي أن “كل القروض التي يأخذها لبنان لا تنفع في حال لم تتزامن مع خطط إنتاجية تضمن خروجنا من هذه الأزمة”.

وعما إذا كان هناك تصوّر متكامل لنهضة القطاع الصناعي، يشير نصراوي الى أنه “لدينا مطالب عدّة لإحياء هذا القطاع الإنتاجي تبدأ أولاً بمعالجة مشكلة المحروقات إذ إن بعض المصانع تصل كلفة إنتاجها من المحروقات إلى 30% وبالتالي هذا المستوى المرتفع يصعّب على صاحب المعمل وضع تسعيرة جديدة بشكل يومي لمنتجه وبالتالي على الدولة أن تضع حداً سريعاً لذلك. من جهة أخرى، نطمح إلى زيادة الصادرات وهنا نتطلع الى الدول التي تعاني ولكنها استطاعت أن تحيي إنتاجها وصناعتها ومداخيلها من خلال وضع رؤية انتاجية لإدخال الأموال إلى خزينة الدولة”.

القطاع الزراعي

من ناحية اخرى، يُعتبر القطاع الزراعي أيضاً قطاعاً منتجاً سواء لتلبية الاسواق المحلية أو بعض الاسواق الخارجية، ولكي يلقى هذا القطاع الدعم والعناية، يطالب رئيس نقابة المزارعين في لبنان أنطوان الحويك بـ”سياسة جدّية تنهض بالقطاع على المدى الطويل. لكن أولاً علينا أن نجد حلّاً طارئاً لأزمة المحروقات قبل مشكلة الإنتاج ومن ثم نتطلع الى نهضة القطاع على الأمد الطويل، لافتاً إلى أن هناك اقتراحات قوانين نائمة في أدراج مجلس النواب وأبرزها إنشاء مصرف الإنماء للقطاع الزراعي، الغرف الزراعية المستقلة والسجل الزراعي، الصندوق الوطني للضمان الزراعي من الكوارث ولدينا إجراءات ميدانية لحماية الإنتاج وتبقى المشكلة الكبيرة تلوث الأنهار والينابيع من مياه الصرف الصحي، وكل هذه المشاريع في حال لم تتحقق لا يوجد زراعة ولا استدامة”. 

القطاع التّجاري

في المقلب الآخر، تضطلع التجارة بدور بارز في الاقتصاد الوطني خصوصاً لناحية تحريك الدورة الاقتصادية والتي تستطيع تحريك القطاعات الانتاجية الأخرى وفقاً للسياسات والخطط التي ستنتج من برنامج الاتفاق مع صندوق النقد. في هذا الإطار، يؤكد رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس ترحيبه بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي و”المتابعة عن كثب لهذا الموضوع، مشدداً على أهمية دعم القطاعات الإنتاجية خصوصاً القطاع التجاري الذي يعد الأكبر حجما في الاقتصاد اللبناني لأنه يحتوي على أكبر نسبة توظيف أي نحو 27% من اليد العاملة اللبنانية ويساهم في تكوين ثلث الناتج القائم ومن أكثر القطاعات الإنتاجية التي تسدّد الضرائب للخزينة. من جهة ثانية، نحن من أكبر المتضررين من الأزمات المتوالية بدءاً بالحرب في سوريا وطبعاً تسارع الانهيار بشكل كبير منذ 17 تشرين الأول عام 2019 بسبب الأزمة المالية ومن ثم كورونا وانفجار المرفأ”.

ويرى شماس أن “ما سمّي بخطّة الإنعاش المالي في حكومة حسان دياب جاءت نتائجها كارثية خصوصاً أنها أولاً لم تُشرك الأفرقاء المعنيين من ضمنهم مصرف لبنان وجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية وتحديداً القطاع التجاري. وثانياً، لأنها وصلت الى مقترحات بغاية الخطورة لم تحمّل الدولة أي عبء مالي مع أنها المسؤولة الاولى عن الفجوة المالية الكبيرة في البلد إذ تحمّل نتيجتها المودع والمصارف. لكن على الرغم من كل ذلك، نرى أملاً بعد تشكيل لجنة من وزراء ذوي اختصاص يعملون جنباً الى جنب مع وزير المال والحاكم وهذه الخلطة كفيلة في صنع رؤية واحدة يتمكنون من خلالها توحيد أرقام الخسائر”.

شارك المقال