تطهير الإدارة قبل زيادة الأجور؟

فدى مكداشي
فدى مكداشي

كأنه لا تكفي لبنان أزماته المالية والاقتصادية والنقدية، حتى أضيفت إليها الأزمة الأكبر التي تتعلّق بالرواتب والأجور. فبعدما تنفّس موظفو القطاع العام والأساتذة الصعداء بحصولهم على سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّت في النصف الثاني من عام 2017، من دون أن تكون لدى وزارة المال الدراسات الحقيقية لكلفتها، مما أدّى إلى حدوث أزمة مالية كبيرة، انعكست سلباً على القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، ونتج عنها اندلاع الثورة الشعبية في تشرين الأول 2019، التي لا تزال ذيولها قائمة حتى اليوم. فالرواتب والأجور أزمة مستفحلة، حلّها ليس بالمسألة البسيطة. فلا الزيادات الطفيفة ولا التعديلات الخفيفة تستطيع استعادة جزء من خسارة الموظفين والعمّال، وبالتالي بات لزاماً البحث عن مخارج أخرى وسيناريوات جديدة تكون بمثابة معجزة لحلّ هذه المعضلة.

دور لجنة المؤشر

وفي هذا السياق، عُيّن منذ يومين رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي النقيب ​نزيه جباوي​ لتمثيل هيئة التنسيق في اجتماعات لجنة المؤشر. أما بالنسبة إلى أهداف الاشتراك في عضوية لجنة المؤشر والتوقّعات التي يأمل الأساتذة والمعلّمون حصدها من خلال عمل اللجنة، فيوضح جباوي أنّ “اللجنة ستعمل على تحضير دراسات متعلّقة بالغلاء المعيشي والتضخّم وقياس الأجور نسبة إلى التضخّم. وتتألّف من أصحاب العمل والعمال والدولة والموظفين في الإحصاء المركزي ووزارة المال ومندوب عن مجلس الوزراء”.

وعن مطالب المعلّمين والموظّفين في القطاع، أكد جباوي “ضرورة تحسين الأجور، وأن تكون على سلّم أولويات الحكومة”، معتبراً أنّ “الغلاء المعيشي استهدف المعلمين كسائر الموظفين، ولم تنجح مساعي الدولة بنهضة القطاع، حتى أنّ مساعي وزير التربية عبر تقديم 90 دولاراً أميركياً لكل عامل من خلال مساعدات خارجية تقدّمها الدول المانحة، لم تُترجم على أرض الواقع بعد، ولم يتم تحديد المنصّة التي يجب أن تُصرف على أساسها”.

حالة “الركود التضخّمي”

بالنسبة إلى موضوع الرواتب والأجور بعد الانهيار المالي والنقدي الحاصل، كان لموقع “لبنان الكبير” حديث مع الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة الذي أوضح أنّ “موضوع الرواتب والأجور يُعتبر من أصعب المواضيع التي تواجهها قطاعات الإنتاج في لبنان، في ظل الانهيار المالي والنقدي”، لافتاً إلى أنّ “الوضع الاقتصادي والمالي يعاني حالة الركود التضخّمي، لأنّ التضخّم ساهم في ذوبان قيمة الرواتب والأجور، وفي الوقت عينه ساهم الركود الحاصل في تقليص الأعمال. في هذه الحالة، خسر العمال والموظفون القدرة الشرائية وأصبحت رواتبهم لا تتعدّى قيمة ربطة الخبز شهرياً”.

عجز متراكم

ويرى علامة أنّ “تصميم الرواتب والأجور عادة يكون مبنياً على السلة الأساسية، إضافة إلى الحاجات السكنية والطبية والمواصلات والتعليم لعائلة من أربعة أشخاص”، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر بات بعيداً كل البعد عن الواقع، لذلك عمد وزير العمل الجديد، في أول إجراءاته، إلى تشكيل لجنة المؤشّر ودعوتها للانعقاد لدراسة مؤشر الغلاء وارتفاع الأسعار والبحث في كيفية تعديل الرواتب والأجور. لكن هذا الأمر دونه عقبات كثيرة، بدءاً من دراسة الإمكانات المتوافرة، سواء في مالية الدولة للقطاع العام وانتاجية قطاعات الأعمال في القطاع الخاص. وإذا استعرضنا الإمكانات المتوافرة، فنجد أنّ الأمر بات أشبه بالمستحيل، إذ تعاني مالية الدولة عجزاً متراكماً فاق كل التوقعات، وتعاني قطاعات الأعمال انخفاضَ الإنتاج”.

وعما إذا كانت إعادة تشكيل لجنة المؤشّر والنتائج التي ستصل إليها سيؤدّي إلى تعديل الرواتب والأجور، يرى علامة أنه “في ظل الأوضاع القائمة حالياً، لا إمكان لتعديل أو زيادة الرواتب والأجور، نظراً إلى انعدام الإمكانات المالية، سواء للقطاع العام من خلال مالية الدولة أو القطاع الخاص من خلال الركود وانعدام الإنتاجية”.

الحلول

في هذه الحالة، لا بدّ من اجتراح حلول خارجة على المألوف والبحث بنظام جديد لهيكلة الأجور والرواتب وفق قواعد جديدة. وفي هذا الإطار، يشير علامة إلى أنّ “الخطوة الأولى المطلوب تنفيذها هو تطهير الإدارات وقطاعات الأعمال من العمال والموظفين الذين يتقاضون رواتبَ وأجوراً ولا يعملون وإنتاجيتهم تعادل الرقم صفر. أما في الخطوة الثانية، فالمطلوب إعادة توزيع الموظفين والعمال على قاعدة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب لربط أجره وراتبه بإنتاجيته. من الممكن في هذه الحالة اعتماد أجور ورواتب مركّبة تعتمد الأجر الشهري الثابت، ويضاف إليه تعويض الأجر بالقطعة. أما الطريقة الثالثة، فهي الاعتماد على الأجر الثابت زائد إشراك العمال والموظفين بنسب من الأرباح. كلتا الطريقتين تضمنان المزيد من الإنتاجية وانغماساً أكثر في العمل”.

ويرى علامة ختاماً أنّ “عدم توافر إمكانات تعديل الرواتب والأجور حسب نسب التضخّم الحاصل، يجعل لزاماً على المسؤولين البحث في إحدى الطريقتين لإعادة هيكلة الرواتب والأجور بشكل يتماشى مع الواقع المالي والاقتصادي القائم حالياً في لبنان”.

شارك المقال