وقع اللبنانيون في فخ الاحتيال والنصب الالكتروني، ليخسروا بذلك ملايين الدولارات التي استثمروها، علّهم يحصلون على ربح وفير وسريع. الضربة موجعة بلا شك، وهي الأقسى من نوعها نظراً لتزامنها مع مجموعة من الخسائر التي طالت جيوبهم في الآونة الأخيرة.
مصطلحات جديدة دخلت بشكل متسارع إلى لبنان، أبرزها التداول بالعملات الرقمية واللجوء إلى منصات الاستثمار الإلكترونية طمعاً بالحصول على أموال طائلة في مدة زمنية قصيرة، من دون اتخاذ الحيطة والحذر والتأكد من قانونية هذه المنصات أو معرفة ماهية العملات الرقمية.
يقول الخبير في أمن المعلومات رولاند أبي نجم لموقع “لبنان الكبير” أنّ “اللبنانيين يتأثرون بشكل كبير بالكلام الذي يُشاع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يُشجعهم على خوض غمار هذه العملات. وهنا لا بد من الإشارة إلى وجود فرق شاسع بين التداول بالعملات الرقمية وبين عملية النصب التي طاولت بعض المستثمرين اللبنانيين. فالعملات الرقمية كالـ Bitcoin تشبه العملات الورقية كالدولار واليورو والين، التي تشهد ارتفاعاً أو انخفاضاً في قيمتها تبعاً للأوضاع السياسية أو الاقتصادية، لكنها تختلف عنها بأنها Decentralized ولا تشبه على سبيل المثال المصارف التي لديها مصرف مركزي تتبع له، فضلاً عن أنها مشفّرة، ولا يمكن معرفة حجم وكمية التداول بها”.
نوعان من المستثمرين ومخاطر عالية
وبحسب أبي نجم، “يمكن تقسيم الذين يحقّقون أموالاً من الاستثمار في العملة الرقمية إلى نوعين: الأول هو المستثمر الذي يأخذ على عاتقه تحمّل درجة كبيرة من المخاطر High Risk، إذ يعمد إلى شراء Bitcoin لدى ارتفاعها اعتقاداً منه بأنها ستستمر في الارتفاع، وبالتالي تحقيق المزيد من الأرباح؛ وإلى بيعها لدى هبوطها خوفاً من المزيد من الانهيار في سعرها. في المقابل، هناك المستثمر الذي يتصرّف عكس ذلك، بحيث يشتري على الرخيص في حال هبط سعرها ومن ثم يبيعها حين يرتفع، محققاً بذلك مكاسب عالية القيمة. أما النوع الثاني، فهم الأشخاص الذين يتداولون بأكثر من عملة رقمية، وغالباً ما تكون عملات جديدة في الأسواق، وليست لها قيمة فعلية بسبب عدم شهرتها أو انتشارها، فيلجأ إلى الاستثمار فيها أملاً في تحقيق ربح أقله من خلال ارتفاع قيمة عملة واحدة”.
وبالرغم من ذلك، يقول أبي نجم إنّ “نسبة الأشخاص الذين يحقّقون أرباحاً تُعدّ قليلة بسبب وجود احتمالات عدة للربح والخسارة، تماماً كتلك الموجودة في البورصة، والتي غالباً ما تراوح بين 1 و5 في المئة (أي بنسبة محدودة). بينما في Bitcoin على سبيل المثال، تكون مرتفعةً جداً، إذ شهدت خلال هذا العام تقلبات رهيبة في سعرها من 64 ألفاً إلى ما دون الـ 30 ألفاً، ومن ثم 66 ألفاً، وهذا ما يطلق عليه مصطلح الـ Volatile، من دون إغفال تأثرها الكبير بعوامل غريبة كنشر تغريدة على تويتر أو بوست على فيسبوك. هذا ويستحوذ التداول بالعملات الرقمية على نسبة عالية من المخاطر، وثمة منصات متعارف عليها من أجل التداول بها، مثل Binance و Coinbase، وعلى كل من يلجأ إلى هذه المواقع أن يكون متخصصاً في هذا المجال من أجل التحكم بعملية البيع والشراء. إلا أنّ اللافت هو أنّ بعض الذين يتداولون بالعملات الرقمية يجهلون تماماً أساليب التداول في الأسهم والبورصة، ويلجأون إلى التداول بها وهم مجرّدون من المعلومات التي تمكنهم من معرفة الأسباب التي تؤثر فيها، وما هي السياسات التي تتحكم بالعملات”.
ما حدث لا علاقة له بالعملات الرقمية
وعن عملية النصب والاحتيال التي طاولت منذ أيام قليلة عدداً من المستثمرين اللبنانيين، يقول أبي نجم: “اعتقد الكثيرون أنّ ما حدث يتعلق بمواقع خاصة بعمليات تداول العملات الرقمية، إلا أنّ هذا ليس صحيحاً، لا سيما أنّ هذه العملات لديها مواقعها الخاصة والمتعارف عليها وهي نوعاً ما آمنة، ويصعب تعرض المستثمر فيها إلى الاحتيال. لكن هذا لا ينفي وجود بعض المخاطر من خلال الاختراق من قِبل الهاكرز. فالعملة الرقمية التي تكون بحوزة المستثمر، يتم الاحتفاظ بها على الموقع في خانة تُسمى الـDigital Wallet وفي حال خسر الـ Access الذي يمتلكه أو الـ Username أو الـ Password، فلن يكون هناك أي طريقة لاسترجاع عملاته. وفي المقابل، ثمة مواقع أخرى لا علاقة لها بالتداول الرقمي، بل تهدف إلى سرقة أموال المستثمرين، لكنها تأخذ من العملات الرقمية غطاء لأعمالها الاحتيالية، وهنا تكمن الخطورة”.
أضاف: “ما حدث هو أنّ موقعاً الكترونياً تم اطلاقه في نيسان الماضي طلب من المستثمرين منحه أموالهم من أجل إجراء عمليات التداول عنهم مقابل نسبة أرباح وهمية عالية بين 1 و 3 في المئة في اليوم الواحد” (كل 100 دولار ينتج عنها بين الـ 1 و الـ 3 دولار يومياً، وهو رقم كبير جداً)”. وأشار إلى أنّ “هذا الموقع ليست له علاقة بعمليات التداول، إنما قائم على فكرة النصب عبر تجميع الأموال من أشخاص عدة، ومن ثم يقوم بدفع نسبة الأرباح من هذه الأموال، وليس من خلال تشغيلها والاستثمار بها والحصول على عوائد مالية منها. وهنا، يعتقد المستثمرون أنّ هذا الموقع يحقّق لهم الأرباح فعلاً، فيعمدون إلى ضخ المزيد من أموالهم في هذه العملية ويشجّعون الآخرين على الانخراط فيها. وفي الوقت الذي يحصل فيه الموقع على مبلغ معيّن من المال (حسبما ذُكر، 120 مليون دولار)، يقوم بالإغلاق والاختفاء عن الوجود هو والأموال. وتكمن المشكلة هنا أنه في الحالتين (سواء التداول بالعملات الرقمية أو عبر مواقع النصب والاحتيال)، لا وجود لأي قانون يحمي المستثمر، خصوصاً عبر المواقع الوهمية. فالقانون لا يحمي المغفلين، إذ كيف لمستثمر أن يثق بموقع “أونلاين” لا يعرف إن كان مسجّلاً قانونياً ومن يقف وراءه وماذا يفعل بالأموال وكيف يُشغلها؟ وأن يمنحه أمواله دون وجود أي ضمانات؟ ووفقاً لأبي نجم، فإنّ “منصات التداول الرسمية للعملات الرقمية تجذب الفئة المتعلّمة والمثقفة التي لديها خلفية جيدة عن التداول والـ .Digital Coins أما المنصات التي تتبع أساليب الاحتيال، فتستهدف الفئة التي لا تستطيع أن تميّز بينها وبين المواقع الآمنة، معتمدة على مبدأ الـ Phishing أو التصيد الاحتيالي، عبر توزيع الأرباح على المستثمرين في بداية الأمر لإثبات صدقيتها، ويكون ذلك بمثابة طعم من أجل إيقاعهم وسرقة أموالهم لاحقاً”. ويشير أبي نجم إلى أنّ “ليس كل مستثمر يملك المال يعني أنه على إلمام بالمواقع الالكترونية والتداول الرقمي”، مؤكداً أنّ “99 في المئة من ضحايا الاحتيال لا يفقهون شيئاً عن هذه المواضيع”.
لا لمبدأ الـ Easy Money ونصيحة إلى اللبنانيين
أسوأ ما في الأمر أنّ اللبناني يريد أن يحصل على الأموال من دون أي جهد أو تعب، يقول أبي نجم، رافضاً مبدأ Easy Money أو Quick Money، الذي يتمّ من خلاله غسل دماغ المستثمر وإغوائه بالحصول على المال وهو في منزله.
وفي الختام، قدّم أبي نجم نصيحتين إلى كل من:
– المستثمر الذي يتداول بالعملات الرقمية والذي يقوم بنفسه بعمليات البيع والشراء:Invest Whatever You Can Afford to Lose، إذ ينصح المستثمر باستثمار مبلغ من المال إن خسره لا يؤثر فيه كثيراً، لا سيما أنّ هناك من يستدين من المصارف من أجل ذلك، وعند وقوع الخسارة يصبح من الصعب جداً إعادة المال للمصارف. صحيح أنّ الاستثمار في العملات الرقمية يولد أرباحاً وأموالاً، إلا أنّ هناك احتمالاً كبيراً لخسارتها، لكن الجشع والطمع يبقيان مشكلة من ينخرط في هذه الأعمال ويدخل في لعبة All In ويخسر كل شيء. كذلك يجب الاطلاع على مفهوم العملة الرقمية وعلى قواعد العمل بها ومعرفة عدم وجود أي قانون يعاقب من يسرق أموالك.
– المستثمر الذي يصرف أمواله في مواقع زائفة: يقول المثل “أعطِ خبزك للخباز ولو أكل نصفه”، فإن كنت لا تمتلك المعلومة اللازمة والخبرة الكافية، ليس عيباً أن تسأل الخبراء في هذا المجال وأن تستكشف هذه المواقع والتأكد منها، إذ لا يمكن أن تعطي أموالك إلى جهة لا تعرفها.