إيران أعجز من أن تملأ فراغ الخليج الاقتصادي

هدى علاء الدين

يأخذ مسار العلاقات اللبنانية الخليجية مساراً غير اعتيادي في توقيت استثنائي يعيشه لبنان على كافة المستويات. إذ لم يشهد منذ سنوات عديدة هذه التوترات والتشنجات بينه وبين دول الخليج العربي التي كانت الداعم الرئيسي له في كافة محنه وأزماته، الأمر الذي يطرح تساؤلات كثيرة عن المستفيد من هذا التصعيد ولمصلحة من وما الغاية منه؟

السعودية لن تلدغ من الجحر مرتين

وعن توقيت هذه القرارات، يقول خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي في حديث له مع موقع “لبنان الكبير”، إن لهذا التوقيت عدة جوانب وتفسيرات، إذ أنه وبعيد تشكيل الحكومة التي طال انتظارها لأكثر من عام، كان واضحاً وجود حماس لدى الرئيس نجيب ميقاتي (وليس لدى حكومته) في المضي قدماً نحو إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ما يعني أن المملكة العربية السعودية ستكون حتماً جزءاً من هذه المفاوضات وإحدى الدول المانحة الرئيسية التي ستساهم في منح الأموال التي يحتاجها لبنان، بعد الحصول على براءة ذمة من الصندوق والتي ستفتح بموجبها باب المساعدات المالية من المجتمع الدولي والدول المانحة. فالمملكة التي وعدت بتقديم مساعدات للبنان خلال مؤتمر “سيدر”، سيطالب صندوق النقد بوجودها إلى جانب دول الخليج لتكون من أبرز الدول المانحة التي سيفاوض معها من أجل تقديم ما يلزم للبنان. وانطلاقاً من هنا، فإن السعودية التي تعرضت للأذى أكثر من غيرها مقارنة بدول الخليج، والتي ضخت العديد من الاستثمارات على صعيد الأفراد والحكومة في سبيل مساعدة لبنان مادياً ونقدياً وإنمائياً، ليست على استعداد اليوم أن تخسر مجدداً كل هذه الأموال وصرفها هدراً، لا سيما أن ذلك انعكس عليها سلباً وخسرت بسبب هذه السياسية استثمارات قيمة خصوصاً في القطاع العقاري. هذا إضافة إلى التعديات التي طالت المملكة من عناصر أساسية في الحكومة (“حزب الله” وحلفائه) والمتمثل في التعدي الجسدي من خلال تدريب عناصر عسكرية (الحوثيين) وإرسالهم العديد من عناصرهم من أجل القتال، والتعدي اللفظي عبر توجيه الكلمات النابية واتهامات للسعودية في عدة محطات مفصلية. وبسبب هذه العوامل جميعها، فإن التوقيت مهم بالنسبة للسعودية، بالتوازي مع العامل الاقتصادي المتمثل في تقلبات سعر النفط وكيفية تأثيره على الدول المصدرة للنفط تحديداً، إلى جانب قمة غلاسكو التي تنعقد اليوم بحيث ستُشدد على الحد من انبعاثات التلوث من أجل الوصول إلى مستوى منخفض لها عام 2023، وهو أمر يعني السعودية بشكل مباشر بعد أن تعهدت بالوصول إلى صافي انبعاث كربوني صفري بحلول العام 2060، خصوصاً وأن موازنتها المالية لم تعد كما كانت سابقاً.

وبحسب فحيلي، فإن المملكة اليوم تبحث في كيفية تحويل اقتصادها من اقتصادٍ معتمدٍ حصرياً على تصدير النفط (أو القسم الأكبر منه) إلى اقتصاد متنوع حيث بدأت بتصدير محصولها من الفاكهة والخضار بشكل جيد وتحاول جاهدة تنشيط القطاع السياحي الذي يتطلب استثمارات كبيرة، وبالتالي فهي ليست قادرة على المساعدة كما كانت تفعل في السنوات السابقة مع الأخذ بعين الاعتبار حاجتها الماسة للتأكد بأن الأموال التي ستقدمها سيتم صرفها بالطريقة الصحيحة وبأن الحكومة التي ستستلم هذه الأموال ستكون حكومة مسؤولة تتصرف بالحد الأدنى من المسؤولية تجاه الشعب اللبناني. وهنا يشير فحيلي، إلى أنه من الواضح أن حركة السعودية تختلف عن حركة الإمارات، لناحية جعل تأثير قرارها على الطبقة السياسية أكثر من تأثيره على المواطنين الموجودين في المملكة، لكن ذلك لا ينفي تأثر لبنان اقتصادياً، لا سيما من حيث المحصول الزراعي سواء من فاكهة أو خضار كالبطاطا والتفاح، علماً أن السعودية تتصدر قائمة الدول الخليجية من حيث حجم التبادل التجاري مع لبنان بإجمالي قيمة تبلغ نحو 790 مليون دولار. 

إيران لن تكون بديلاً

وعن قدرة إيران على ملء الفراغ الاقتصادي الذي ستتركه الدول الخليجية، يقول فحيلي إن ذلك مستحيلاً لعدة أسباب أبرزها أن لبنان لا يصدر إلى إيران إلا نسباً ضئيلة من صادراته، مستبعداً أن تلجأ إيران إلى طلب المنتوجات الزراعية التي تُصدر إلى السعودية براً عبر سوريا والأردن أو جواً عبر الطائرات تحت ما يعرف بالـ Grade A والتي عادة ما تكون مخصصة للفنادق الفخمة والمطاعم ذات الشهرة، في حين أن التصدير إلى إيران سيكون صعباً ومكلفاً، فضلاً عن أن اليد العاملة الموجودة في إيران لا يمكن التعويل عليها وهي قلة قليلة. كما أن إيران لديها أزمة في العملة الصعبة وتسعى إلى الحصول عليها وبالتالي سيكون من الصعب جداً تحويلها إلى لبنان، إضافة إلى العقوبات المفروضة عليها والتي ستحدّ من قدرة المواطن اللبناني على التصدير والحصول على الدولار. ووفقاً لفحيلي، يكفي لليد العاملة أن تكون عائقاً أساسياً في إيران، على عكس تلك الموجودة في الخليج والتي أصبحت متجذرة في دوله وساهمت إلى حد كبير في بنائه، مشيراً إلى أنه في حال توترت العلاقات أكثر وأكثر واضطرت هذه اليد العاملة إلى العودة إلى لبنان، فإن ذلك سيؤدي إلى مشاكل اقتصادية أساسية لن تُحمد عقباها. ويستطرد فحيلي قائلاً: “إن النفط الإيراني والأدوية الإيرانية التي دخلت إلى لبنان عبر قنوات غير شرعية لا يُمكن أن تُصنف ضمن الإطار الرسمي للاستيراد ولا يمكن اعتبارها موجودة ولا يمكن حتى الافتراض أنها قادرة على أن تحل مكان أي مورد يخسره لبنان، لافتاً إلى أن الدولة اللبنانية (سواء عبر هذه الحكومة أم حكومة حسان دياب)، تنصلت بشكل واضح من مسؤوليتها تجاه هذا الأمر، وحتى اليوم ليس معروفاً في أي أسواق تباع ولمن يتم توزيعها. فإيران لن تُقدم على إرسال أي من المساعدات إن لم يكن في ذلك منفعة مباشرة لـ “حزب الله”، وخير دليل على ذلك المساعدات التي قُدمت لوزارة الصحة كانت لإنقاذ الوزير المحسوب على “حزب الله”، وكذلك المساعدات اللاشرعية للفيول كي تساعد أمين الحزب على الإيفاء بوعده من أجل إيجاد مخرج لحل أزمة المازوت والبنزين التي أثرت في قطاعات اقتصادية عديدة وفي نوعية الحياة التي يعيشها المواطن اللبناني، في حين أن السعودية، لطالما ساعدت لبنان عبر قنواته الرسمية ومؤسساته الشرعية أو عبر مصرف لبنان.

الإفراط في التجاهل اهتمام

يشير فحيلي إلى أن موقف وزير الخارجية السعودي في مقابلته الأخيرة كان واضحاً لناحية أن السعودية تأخذ هذه القرارات والمواقف من أجل سحب لبنان عن طاولة المفاوضات بينها وبين إيران، معتبراً أن سياسة اللامبالاة التي تظهرها السعودية تجاه لبنان عبر قطع العلاقات وسحب السفير ووقف الاستيراد وربما لاحقاً منع اللبنانيين من تحويل الأموال إلى لبنان، وعدم الاكتراث لاستقدام الفيول والادوية الايرانية هي جميعها من أجل هذه الغاية، إذ تحاول قدر المستطاع تجييش الدول العربية من أجل أخذ الموقف ذاته. فحيلي الذي يعتقد أن التوجه شرقاً هو خسارة للبنان، يُرجع ذلك إلى أن لبنان كثقافة وعلم لا يتناغم مع الثقافة الشرقية. صحيح أن اللبنانيين شرقيون، لكنهم يختلفون عن باقي دول الجوار. وهنا يلفت فحيلي إلى أن استعجال الإمارات أخذ موقف سريع ومتضامن مع السعودية يأتي في إطار مبدأ الـ Pay Back تجاه المملكة، خصوصاً بعد التوقيع على اتفاقيات أبراهام Abraham Accords ، الذي شمل الى جانب الامارات عدداً من الدول العربية، والتي حصلت بشكل مبطن على مباركة سعودية، وانسحابها من الدول التي تحارب الحوثيين في اليمن.

ويختم فحيلي بالقول: يمكن وصف الموقف السعودي والذي كان واضحاً في عدم إصدار أي بيان تهنئة من الديوان الملكي لدى تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في كلمات ثلاث هي “الإفراط في التجاهل اهتمام”.

شارك المقال