هل يفرج صندوق النقد عن المساعدات قبل الإصلاحات؟!

فدى مكداشي
فدى مكداشي

يبدو أن الانهيار الحاصل على كافة المستويات قد عطّل قدرات الحكومات المتعاقبة ووضعها أمام حائط مسدود في إمكان المعالجة عبر الاستعانة بالدول الصديقة والشقيقة ولا سيما بعد النكسات الديبلوماسية المتوالية لعلاقة لبنان بالكثير من هذه الدول. ومن الواضح أن الخيار المتبقي أمام لبنان للعمل على وقف الانهيار والبدء بالخروج من الأزمة هي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. هذه العملية بدأت مراحلها مع الحكومة السابقة، وتعرضت لتعثر كبير نتيجة اختلاف وتعدّد الوفود اللبنانية المفاوضة والتي حمل فيها كل وفد رؤية وأرقاماً مختلفة حتى بتنا نستطيع القول إن كل وفد أراد أن ينتقم من خصمه السياسي من خلال برنامج صندوق النقد الدولي.

إن صندوق النقد يعرض التفاوض على البرنامج ويشترط بالمقابل مجموعة إصلاحات مالية وإدارية وبنيوية ضرورية لنجاح البرنامج.

وعلى الرغم من أهمية تشكيل الوفد المفاوض لحكومة ميقاتي، يبقى السؤال الأساسي: هل سيستطيع الوفد المفاوض والذي يضم ثلاثة وزراء خبراء في عمل الصندوق الوصول إلى النهاية السعيدة؟

توحيد الخسائر أوّلاً

في هذا السياق، يشرح الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور بلال علامة ان “المفاوضات مع صندوق النقد الدّولي تهدف إلى الحصول على برنامج إنقاذي يتضمن معالجة الخلل الأساسي الحاصل في ميزان المدفوعات إضافة إلى التدهور في سعر صرف الليرة اللبنانية. هذه العمليّة قد تكون ناجحة في حال استطاع الوفد اللبناني أن يُقدّم رؤية وخطّة تتضمّن أرقاماً حقيقيّة لوقائع الخسائر التي مُني بها الاقتصاد اللبناني، معتبراً أن هذه العمليّة ليست بالبسيطة، ففي لبنان مجموعة من الأزمات تراكمت على مدى المراحل السابقة فأصبحت المشاكل مركّبة ومعقّدة. فإضافة الى الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية، يوجد أزمة تطال القطاع المصرفي وأموال المودعين وكذلك سعر الصّرف. لذلك، فإن من مهام الوفد المفاوض تقديم كل الحقائق التي تتعلّق بالخسائر المحقّقة وكيفيّة التصرّف بأموال المودعين ولا سيما أن لبنان لم يعد أمامه من خيارات سوى هذه المفاوضات والبرنامج الموعود”.

تلكؤ الحكومة

ويرى علامة أن “كلّ الآمال من السلطة اللبنانيّة تتركّز على الحصول على الدعم الذي يؤمّن للبنان معالجة سريعة للخلل في ميزان المدفوعات إضافة الى تأمين سيولة بالعملة الأجنبية بعدما ظهر الشح الكبير في السوق اللبنانية. وطبعا هذا السّيناريو يرتكز الى إمكان الحصول على ما يعادل ثلاثة أضعاف مساهمة لبنان في الصندوق مع أمنيات بزيادة المبلغ ليصل الى ٣-٤ مليارات دولار أميركي. علما أن الوصول الى هذه الأرقام دونها عقبات كبيرة أهمّها الشّروط الإصلاحيّة التي بات واضحاً أن الحكومة الحاليّة من خلال تصاريح رئيسها والوزراء المعنييّن تتلكّأ بفتح باب الإصلاحات تجنّبا للمتاهات السّياسية التي من الممكن أن تواجهها ولا سيما أن هذه الحكومة أتى كل تركيزها منصبّا على إجراء الانتخابات النيابية للخروج بأقل خسائر ممكنة”.

عقبات الأزمة السياسية

إن المفاوضات مع الصندوق لا يمكن أن تنجح إذا رُبطت بأهداف سياسيّة أو بمشاريع انتخابية على قاعدة إن المفاوضات تكون تقنيّة ومبنيّة على الأرقام المنطقية وليس على النوايا. وفي حال نجح الوفد المفاوض اللبناني في إقناع إدارة الصندوق بتقديم أي دعم تحت مسمّى برنامج أو مساعدة، يشير علامة الى أن “المبلغ المتوقّع حصوله لن يتعدّى المليارَيْ دولار على خمس سنوات، وهذا سيجعل البرنامج عديم الفائدة، قليل المفعول والنتائج، مطالباً الحكومة بـ”فتح باب المعالجة الفوريّة لكل الأزمات التي تواجه القطاعات الاقتصادية اللبنانية بدءاً من القطاع العام والإضرابات وصولا إلى القطاعات الإنتاجيّة المتعددة، معتبرا أن ما يحصل حالياً لناحية سرعة التدهور والانهيار يضرب القطاعات كلّها ويجعل من أي برنامج تحصل عليه الحكومة من صندوق النقد غير ذي فائدة بعد أن يكون لبنان قد انتقل من وضعيّة إلى وضعية أسوأ”.

محادثات غير رسميّة

في حين أن المحادثات مع صندوق النقد لم تبدأ بعد بشكلها الرسمي، يكشف كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل أن “اليوم هناك محادثات حول مواضيع معيّنة تجري في إطار غير رسمي بين المعنيين كموضوع الموازنة، لافتاً الى أنه لا يوجد بعد موعد لبدء المحادثات الرّسمية التي تضم وفد الحكومة اللبنانية ووفد مصرف لبنان”.

أما عن هدف الحكومة في هذه المرحلة الرّاهنة، فيشير إلى أنها “تهدف الى التوصل الى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد قبل أواخر السنة، متسائلاً هل الوضع الحالي يسمح؟، لافتا إلى أنه على الرّغم من أن عمل الفريق الاقتصادي لا يزال مستمرا وهو يحضّر مشروع الخطّة الإنقاذيّة الكاملة إلا أنه لم يتأثّر بالوضع الحالي لغاية اليوم فمن مصلحة الجميع أن تبدأ هذه المحادثات إذ لا يوجد خيار آخر وهي مسؤولية على السلطات اللبنانية لإزالة كل العوائق أمام المشروع الإنقاذي المتكامل وإشراك مكوّنات القطاع الخاص بوضع هذا البرنامج ليكونوا حاضرين للمحادثات مع صندوق النقد”.

أولويّات البرنامج الإصلاحي

اليوم ينتظر لبنان الانتهاء من تحضير البرنامج الانقاذي المتكامل على أحر من الجمر كخطوة أولى للبدء بالعمل الإصلاحي البنيوي كخريطة طريق تكون بمثابة خشبة الخلاص لإعادة تفعيل الدولة ومؤسّساتها. وفي هذا السّياق، يشدّد غبريل على أن “أولويات هذا البرنامج عليها أن تكون مبنيّة على دعم النمو وتوسيع حجم الاقتصاد وتسجيل فائض أولي بالموازنة العامة وتفعيل العمل المصرفي وإقرار شبكة ضمان واستقرار اجتماعي وتصحيح الاختلالات في المالية العامة، مؤكداً أهميّة إشراك القطاع الخاص بوضع الخطة وتالياً إشراك كل المكوّنات الأساسية للاقتصاد اللبناني في تسهيل العمليّة الإصلاحيّة”.

وعن أهميّة إعطاء لبنان نحو 4 مليارات دولار وتأثيرها في القطاعات الاقتصاديّة المنتجة، يرى غبريل أن “الهدف ليس الحصول على الأموال لأنها في نهاية المطاف ديونا وليست هبات، معتبرا أن الأهم من هذا المبلغ هو توقيع الصندوق على البرنامج الإصلاحي بعد التّفاوض على تفاصيله وبنوده وأولوياته إذ يُكسب السلطات اللبنانية نوعا من الصدقية أمام الدول المانحة الأخرى لإعادة النظّر بلبنان وإعادة ضخ رؤوس الأموال وصولاً الى النهوض الاقتصادي”.

أخيرا، على الحكومة اللبنانية مسؤولية كبيرة وعليها أن تبدأ معالجة مشاكلها لا أن ترمي بأعمالها على صندوق النقد الذي جُلّ ما يستطيع تقديمه هو مساعدة لبنان وليس علاج مشاكله.

شارك المقال