قرداحي “يهدّد” برنامج صندوق النقد الدولي

المحرر الاقتصادي

يبدو أن حل الأزمة الديبلوماسية المستجدة مع دول الخليج نتيجة تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي الذي انتقد التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن، لن يكون عابراً في أداء الحكومة. ففي الوقت الذي كان يفترض بمهمة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أن تكون محددة في تعبيد الأرضية للتوصل الى برنامج تمويلي مع صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان في انتشال اقتصاده من القعر، ها هي الحكومة تتعرض الى نكسات متسارعة تشوّه ولادتها القيصرية وتشلّ عملها. من أزمة “قبع” المحقق العدلي الذي ينظر في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، إلى أحداث الطيونة وعين الرمانة، فالتصريحات غير المسؤولة لبعض وزرائها تجاه الدول العربية الشقيقة وحتى في الملفات الداخلية التي تستوجب مواقف حذرة في التعاطي معها لكونها تمسّ الحياة اليومية للمواطنين الذين يتم إذلالهم من دون توقف.

المحادثات الفنية التمهيدية بين صندوق النقد الدولي والجانب اللبناني بدأت فعلاً، والتي هي تمهّد لأي مفاوضات بشأن البرنامج التمويلي المؤمل الحصول عليه حيث يطلب الصندوق بيانات ومعلومات عن المصرف المركزي والمصارف وعن أرقام المالية العامة ومتأخرات السداد والضمان الاجتماعي وغيرها.

فبحسب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور، فإن “آخر مرّة حصلنا فيها على اطّلاع كامل للوضع تعود إلى آب 2020، قبل استقالة الحكومة السابقة، وبالتالي هناك أشياء كثيرة حدثت ونحتاج إلى تحديث الأرقام وخط أساس جديد، معتبراً أنّه من المهمّ جدّاً معالجة المشاكل التي يواجهها القطاع الماليّ، خصوصاً الخسائر المالية”.

بدء المحادثات الفنية أعلنه الناطق باسم الصندوق جيري رايس في مؤتمره الصحافي الدوري وكرر التأكيد أن الصندوق تلقى رسالة من ميقاتي يعرب فيها عن اهتمام السلطات في لبنان ببرنامج لتمويل إصلاحات تهدف إلى مكافحة الركود الاقتصادي. كما أن ميقاتي حمل معه خلال مشاركته في “مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغيّر المناخي” في مدينة غلاسكو في اسكوتلندا، ملفين رئيسيين؛ الاول الأزمة مع الخليج وبحث سبل معالجة تداعياتها الكبيرة، والثاني التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وهو التقى رئيسة الصندوق كريستالينا جورجييفا التي أكدت عزم الصندوق على مساعدة لبنان للنهوض من أزمته الحالية، وأملت أن تكون المفاوضات ناجحة هذه المرة “لأنها الباب الوحيد المتاح” لأزمات لبنان المتشعبة، في إشارة الى فشل المفاوضات التي كانت جرت أثناء حكومة حسان دياب والتي عُلقت نتيجة عدم الاتفاق على أرقام الخسائر الواردة في خطة التعافي المالي والاقتصادي. إلى جانب لقاءات أخرى مهمة أجراها رئيس الحكومة في غلاسكو والتي شدّدت على وجوب إقدام لبنان على إنجاز إصلاحات بهدف إنقاذه. وهو ما أثاره وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن الذي ناقش مع ميقاتي “الحاجة إلى تنفيذ إصلاحات عاجلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية في لبنان وإجراء انتخابات حرة ونزيهة العام المقبل”. ومن ضمن لقاءات ميقاتي الرئيس الفرنسي ايمانول ماكرون الذي يكرر دوماً دعوته إلى إجراء إصلاحات في لبنان لإلغاء عبء الديون والقروض بمليارات الدولارات، وأحد هذه الإصلاحات الرئيسية المطلوبة لإطلاق المساعدات والقروض تأمين حزمة تمويلية من صندوق النقد الدولي.

وتؤكد مصادر اللجنة الوزارية التي شُكلت من أجل التفاوض مع الصندوق وإعداد صيغة نهائية لخطة التعافي المالي التي تقوم شركة “لازارد” بتعديل أرقامها من أجل ان يصار بعدها الى اتفاق بين الأطراف المعنيين، بدء المحادثات التقنية “الجادة” مع الصندوق، وهي تأمل أن يُتوصل الى مذكرة تفاهم أولية قبل نهاية العام الجاري. وتكشف أنه سيصار “في القريب العاجل” الى تقديم الأرقام المالية اللازمة إلى الصندوق، حيث يجري العمل على إعادة النظر فيها بشكل نهائي قبل ارسالها الى اللجنة الفنية لدى الصندوق.

رئيس اللجنة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، أعلن في تصريح بداية الأسبوع أنه بإمكان لبنان بدء الخروج من الأزمة خلال سنتين أو ثلاث. وشرح أن المبدأ الاول للحل يكون بالسعي لتقليص الخسائر بأكبر قدر ممكن على المودعين وخصوصا على صغار المودعين، والثاني “عدم قتل” القطاع المصرفي وضمان استدامة الدين العام. ولفت الى أن الجميع سيساهم بدفع ثمن الأزمة بشكل متفاوت و”القطاع المصرفي سيخسر من رأسماله بالطبع”.

لكن مصادر اقتصادية رفيعة المستوى متابعة لهذا الملف تبدي في تصريح لـ”لبنان الكبير” خشيتها من استمرار المفاوضات مع الصندوق وامكان أن تنعكس الازمة اللبنانية – الخليجية على مسار هذه المفاوضات. فنجاح التفاوض مع صندوق النقد مرتبط بشكل عضوي بالتوصل الى حل لإعادة تفعيل الحكومة ونجاحها في فتح كوة من جديد مع دول الخليج التي يحتاج لبنان اليها أثناء التصويت على برناج تمويلي يتم الاتفاق عليه مع الصندوق يكون باكورة بدء حصوله على أموال مؤتمر “سيدر”، وهو المؤتمر الذي تشكل التعهدات المالية الخليجية جزءاً كبيراً منه. وهذا يعني أنّ استمرار الأزمة الديبلوماسية يجعل هذا التمويل غير متاح.

وتشرح المصادر إياها أن المفاوضات التقنية يمكن أن تستمر اليوم بمعزل عن الازمة الراهنة إذ يتابع كل طرف معني الاجراءات المطلوبة منه في اطار التفاوض. فمصرف لبنان من جهته يتابع وضع تصوره لتوحيد أسعار الصرف المتعددة وإعادة تقويم الخسائر وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، واللجنة الحكومية تنجز الارقام الماكرو-اقتصادية، فيما وزارة المال تضع تصورها حول آلية اطفاء خسائر الدولة. لكن مصير الحكومة هو الذي سيحدد مسار التفاوض. فاذا تحولت حكومة ميقاتي الى حكومة تصريف أعمال بفعل شلّ عملها، فهذا يعني أنها ستكون عاجزة عن انجاز الاصلاحات المطلوبة منها وبالتالي إبرام برنامج تمويلي، مما يحتم وقف المفاوضات وخسارة لبنان سترة النجاة الوحيدة التي قد تنتشله من الغرق. فهل يدفن قرداحي الرافض للاستقالة المفاوضات في مهدها؟

شارك المقال