من على منبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي، كشف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جملة من التطورات الإيجابية في ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي على رغم الشلل الذي يلف اجتماعات مجلس الوزراء بسبب تداعيات الازمة مع دول الخليج التي فجّرتها تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي ضد المملكة العربية السعودية.
فميقاتي الذي اجتمع الأسبوع الماضي على هامش قمة المناخ في غلاسكو بالمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا، والذي يواجه أزمة كبيرة تعيق إعادة تفعيل حكومته مع دعم “حزب الله” لمواقف قرداحي ورفضه استقالته، لخّص برنامج العمل الذي يقوم والفريق الوزاري بإنجازه والمعطيات المستجدة في ملف التفاوض مع الصندوق والملفات الأخرى المرتبطة به تلقائياً بالنقاط التالية:
-وصلت الحكومة إلى مرحلة متقدمة مع صندوق النقد الدولي وتأمل في أن تتمكن من إبرام مذكرة تفاهم معه قريباً جداً، والملف يسير على الطريق السليم.
-قدّمت أرقاماً مالية موحدة للصندوق.
-بحث ميقاتي مع شركة “لازارد” التي تقوم حالياً بتعديل الأرقام السابقة الواردة في خطة التعافي الاقتصادي والمالي في خطة التعافي الاقتصادي، وهناك تنسيق كامل ومصرف لبنان يتعاون مع “لازار” وزوّدها بالأرقام المطلوبة، وخلال هذا الشهر ستسلم الحكومة الخطة معدلة.
– لدى الحكومة أيضاً هدف إحياء القطاع المصرفي وإعادة الثقة به، والبحث في سبل المشاركة في هذا الملف، والمسؤولية هنا مشتركة بين جميع المعنيين بهذا القطاع وهم الدولة والمصارف والمودعون. هذا الأمر قال ميقاتي إنه أوضحه لشركة “لازار”، “التي كانت وزعت المسؤوليات بطريقة غير عادلة. المطلوب توزيع الخسائر على الجميع، وأقل خسائر يجب أن يتحملها المودع، وهناك دراسات قيد الإعداد بشأن سبل تحديد خيارات للمودع”.
-العمل على معالجة أسعار الصرف المتعددة.
-بات مشروع موازنة العام 2022 الذي يندرج في خانة الشروط المطلوبة من الصندوق، شبه جاهز، و”نحن حالياً في صدد إعادة النظر بالأرقام ليكون المشروع منجزاً بالكامل في الموعد المحدد”، أي قبل نهاية العام وفق المهل القانونية.
وكان ميقاتي التقى قبل نحو ثلاثة اسابيع المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي وممثل المجموعة العربية فيه محمود محيي الدين وأكد له أن لبنان يعوّل كثيرا على إقرار خطة تعاون مع الصندوق لمساعدته على تجاوز الازمة المالية والاقتصادية التي بلغت مستويات غير مسبوقة. كما أكد له أن الحكومة باشرت توازياً في إعداد خطة التعافي المالي والاقتصادي التي تتضمن الإصلاحات الاساسية في البنية الاقتصادية والمالية ووقف النزف المالي الذي يسببه قطاع الكهرباء خصوصاً، وإنجاز المراسيم التطبيقية لقوانين الاصلاحية التي اقرها مجلس النواب، اضافة الى اعداد مشاريع قوانين جديدة والتعاون مع مجلس النواب لإقرارها في اسرع وقت.
مصادر مالية مطّلعة تشير في تصريح لـ”لبنان الكبير” الى نقطة ايجابية محورية يمكن استخراجها من خريطة الطريق التي أطلقها ميقاتي، والتي إن كُتب للحكومة النجاح في تنفيذها وسط الأوضاع السياسية شديدة التعقيد، ستشكل ثغرة مضيئة في النفق الاقتصادي المظلم. تقول المصادر إن مسألة إعلان توصل الحكومة لتقديم أرقام موحدة الى صندوق النقد الدولي مثلاً هو إجراء أساسي في تعبيد الطريق نحو التفاوض الرسمي بعد إنجاز مرحلة المفاوضات التقنية التمهيدية، لكون الخلاف على الأرقام والتباين الكبير في تلك التي زُود بها الصندوق من وزارة المالية ومصرف لبنان والمصارف العام الماضي، كان سبباً في تعليق المفاوضات التي كانت استهلت في حكومة حسان دياب.
إلا أن المصادر تلفت إلى أن ميقاتي لم يحدد موعداً متوقعاً لاستئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي.
وتقول إنه كان يفترض أن تساهم التطورات الايجابية المعلنة عن قرب التوصل الى توقيع مذكرة تفاهم مع الصندوق وإعداد صيغة نهائية لخطة التعافي في نهاية الشهر الحالي، في تفاعل سوق الصرف وتحريكه لجهة تحسن سعر صرف الليرة مقابل الدولار. لكنّ الامر لم يحصل. وبررت بأن إفصاح رئيس الحكومة يصطدم بواقع سلبي في احتمال تفعيل عمل الحكومة التي يفترض أن تكون كاملة الصلاحيات عند الانتقال الى الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد. كما يقابله قلق كبير يعيشه اللبنانيون اليوم بسبب الأزمة الديبلوماسية المستجدة مع دول الخليج، والتي تضاف الى سلسلة الأزمات المتشابكة التي يعانونها.
وانتقدت المصادر تلكؤ حكومة دياب في معالجة ملف الدعم الذي، لو اتخذت قراراً في شأنه خلال تفاوضها مع الصندوق، لكانت جنّبت مصرف لبنان خسائر جسيمة من احتياطاته بالعملات البالغة اليوم 13.6 مليار دولار (مستثناة من محفظة المصرف المركزي لسندات اليوروبوندز)، وهو ما يقل عن نسبة التوظيفات الإلزامية بنسبة 14 في المئة المفروضة على الودائع بالعملات الأجنبية لدى المصارف (اليوم نحو 106 مليارات دولار). فالاحتياطات بالعملات لدى مصرف لبنان هي اليوم أقل بنحو 10 مليارات دولار عما كانت عليه خلال التفاوض. وهو مبلغ يفوق بكثير ما ينشده لبنان من اتفاقه مع صندوق النقد الدولي.
وتطرقت المصادر الى ما أثاره ميقاتي في حديثه عن إعادة النظر في مشروع موازنة العام 2022، فتساءلت عن مصير مشروع موازنة العام 2021 الذي كان أعده وزير المال السابق غازي وزني وعدّل عليه مراراً بناء لتوصيات من وزراء الحكومة السابقة. كما تساءلت عن المصدر الذي ستعتمده الحكومة لزيادة ايراداتها التي لا تزال تحتسب على أساس سعر صرف رسمي فيما الهامش أوسع بكثير في السوق الموازية.
وفي شق آخر، علّقت المصادر على الخطة التي أعلنت عنها أخيراً جمعية مصارف لبنان في إطار التعافي المالي المرتقب – وهي صيغة معدلة كانت أعدتها الجمعية العام الماضي كرد على خطة حكومة ميقاتي التي رفضتها المصارف واعتبرت أنها تشكل مذبحة للقطاع برمته. فقالت إن الخطة تتضمن اصلاحات اقتصادية مهمة وجدية، لكنها في المقابل لا تتناول الخسائر المالية للقطاع. كما انها خالية من اصلاحات مصرفية مفصلة منشودة وضرورية لمعالجة الازمة المصرفية العميقة.
في رؤيتها، تقول الجمعية إن الاجراءت الطارئة الواجب تطبيقها ستساهم في المدى القريب في إرساء الاستقرار الماكرو اقتصادي لكون الاتفاق مع صندوق النقد لن يكون سريعاً.
ومن أبرز النقاط في رؤية “المصارف” أن أولوية حكومة ميقاتي اليوم هي اتخاذ إجراءات وتدابير فورية تتناغم مع توقعات صندوق النقد، والتي من شأنها أن تعيد تفعيل النمو. أما التدابير الواجب اتخاذها في المديين القريب والمتوسط، فيجب أن تساهم في إرساء استقرار ماكرو اقتصادي. وفي ما يتعلق بالاصلاحات طويلة المدى، فيجب أن تستهدف اعادة الحياة الى هيكلة الاقتصاد ليستعيد دوره شيئاً فشيئاً. كل هذه التدابير يفترض أن تجتمع في إطار خمسة عناوين أساسية هي: دعم قطاع الاعمال، دعم الأسر، إعادة ربط لبنان بالعالم الخارجي، إعادة ترميم استقرار القطاع المالي، تحسين الحوكمة وإعادة التوازن الى خزينة الدولة.
صحيح أن اجراءات الحكومة واعدة، لكنها قد تكون صعبة وحتى شبه مستحيلة في ظل الوضع السياسي الراهن المقفل على الحل نتيجة تعنت “حزب الله”، ومع الاقتراب من موعد الانتخابات النيابية التي ستجعل من الاتفاق حول الملف الاقتصادي أكثر تعقيداً. ذلك على رغم تمنيات وزراء في الحكومة ببدء التفاوض الرسمي قبل نهاية العام الجالي، لكن الصندوق لا يبدي تفاؤلاً ببلوغ الهدف قبل الانتخابات النيابية.