الصندوق: لا كونترول بلا خطة وتحديد آلية توحيد الصرف

المحرر الاقتصادي

بعثة من صندوق النقد الدولي في بيروت هذه الأيام. هي عبارة عن زيارة تعارفية يقوم بها الرئيس الجديد للبعثة إرنستو راميريز (وهو كان رئيس بعثة الصندوق الى باكستان)، والذي سيتسلم رسمياً الملف اللبناني في شهر كانون الثاني المقبل خلفاً للرئيس المنتهية ولايته مارتن سيريزولا. والبحث يتناول أطر الاتفاق المنشود على برنامج مع لبنان للتعافي الاقتصادي والتفاصيل الأساسية التي سيشملها، والتي تندرج ضمن عناوين المالية العامة، والمصارف، ومصرف لبنان، والإصلاحات الهيكلية والسياسة النقدية.

وقد التقت البعثة حتى الآن رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي بحضور رئيس اللجنة الوزارية التي كُلّفت التحضير لعملية التفاوض، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي. كما التقت البعثة وزير المال يوسف الخليل، ومن المقرر أن تلتقي مسؤولين في مصرف لبنان والمصارف وعدداً من الخبراء الاقتصاديين.

وكانت محادثات لبنان مع صندوق النقد الدولي استؤنفت بعد تشكيل حكومة ميقاتي في أيلول الماضي، لكنها لا تزال على مستوى التفاوض التمهيدي التقني.

توازياً، تعمل الحكومة على تنفيذ الشروط المطلوبة من صندوق النقد الدولي للتوصل الى اتفاق معه. من هنا، جاءت محاولتها في “الوقت الضائع” – نتيجة تعذر انعقادها منذ 12 تشرين الاول الماضي بسبب رفض “الثنائي الشيعي” للتحقيقات التي يجريها القاضي طارق البيطار في انفجار مرفأ بيروت وإصراره على “قبعه” – تمرير مشروع جديد في مجلس النواب لفرض قيود على التحويلات أو ما يعرف بالكابيتال كونترول للحد من نقل الأموال إلى الخارج ولتنظيم علاقة المصارف مع زبائنها.

اقتراح الحكومة هذا أضاف مسودة جديدة أمام مجلس النواب ليصبح أمامه ثلاثة اقتراحات متباينة المضمون: المسودة الحكومية، اقتراح ناقشته لجنة المال والموازنة النيابية وثالث لدى لجنة الادارة والعدل.

ونتيجة للاعتراضات الكثيرة على مشروع الحكومة من مختلف الكتل النيابية، سقط النقاش فيه مرحلياً خلال جلسة اللجان المشتركة الاثنين الماضي، وتم تحديد مهلة أسبوع لإعادة النظر فيه وتقديم أرقام دقيقة عن حجم الاموال الموجودة لدى مصرف لبنان بهدف تحديد سقوف السحوبات. ويقول المصرف المركزي في نشراته الدورية، إن موجوداته الخارجيّة وصلت الى 13.2 مليار دولار في آخر تشرين الثاني بعد تنقيص محفظته من سندات اليوروبوندز البالغة 5.03 مليارات دولار. أما الودائع الاجمالية الموجودة في النظام المصرفي فوصلت الى 137 مليار دولار حتى تشرين الاول، منها بالليرة بما قيمته بالدولار 31.5 مليار دولار، وودائع بالعملات الأجنبية تبلغ 105.3 مليار دولار.

تقول مصادر لـ”لبنان الكبير” انه كان يفترض العمل سريعاً بعد أزمة العام 2019، على إقرار قانون للحد من نقل الأموال إلى الخارج والتي قدّرتها وكالة “موديز” مؤخراً بأنها بلغت 9.5 مليارات دولار منذ بدء الازمة، وذلك على غرار ما حصل في 1967. ففي ذلك الوقت، وبعد ثلاثة أيام فقط على الغارات التي شنتها اسرائيل في الخامس من حزيران من العام 1967 على المطارات المصرية واستكملتها بغارات على دول عربية أخرى، عقد مجلس الوزراء برئاسة رشيد كرامي جلسة طارئة تم خلالها إقرار مشروع قانون لطلب صلاحيات تشريعية في المجالين المالي والاقتصادي لمواجهة المرحلة وتداعياتها. ولم يتأخر مجلس النواب في ملاقاة الحكومة وعقد بعد ظهر اليوم عينه جلسة أقر فيها المشروع. وصدر القانون الرقم 45/67 تاريخ 5 حزيران 1967، والذي قضى بـ”إعطاء الحكومة حق التشريع شهرين بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء في القضايا الاقتصادية والمالية والقضايا المتعلقة بالسلامة العامة والأمن الداخلي والأمن العام وكذلك حق تعديل الأحكام الأخرى، وللحكومة في ما خص قضايا السلامة العامة حق إقرار تنسيق العمليات العسكرية بين القوات اللبنانية والقوات العربية بما في ذلك حق إدخال قوات عربية إلى الأراضي اللبنانية، كما لها حق تأمين المال اللازم للمجهود الحربي”.

وقالت المصادر إن النسخ الثلاث المطروحة أمام مجلس النواب بعيدة جداً من الأولويات التي يحددها صندوق النقد. فهي لا تتضمن جدولاً يحدد الرفع التدرجي للقيود التي ستفرض على التحويلات والسحوبات بعد تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والمالية المطلوبة. كما أنها لا تشير إلى كيفية ربط القيود على حركة الاموال بتوحيد أسعار الصرف.

ولفتت المصادر إلى أن صندوق النقد الدولي يرفض تمرير الكابيتال كونترول بمعزل عن خطة اقتصادية شاملة وواضحة. وهو أبلغ المعنيين بذلك، وقال لهم إنّ الخطط المستقبلية لسوق سعر الصرف ستكون جوهرية لتحديد تأثير تطبيق الكابيتال كونترول. فتوحيد سعر الصرف لكل عمليات الحساب الجاري سيتطلب إجراءات أخرى مكملة للمشروع، ومنها ما يتعلق بالأموال الطازجة (فريش). كما أنه ليس واضحاً أمام الصندوق بعد أي نظام سعر صرف سيقود التحويلات من جهة، وكيفية تأثير ما ينص عليه المشروع في عمليتي العرض والطلب بالعملات الاجنبية وفي ميزان المدفوعات بشكل عام، من جهة أخرى.

من ضمن تعليقاته، يقول الصندوق إنه سيصعب عليه إجراء تقويم للانعكاسات الماكرواقتصادية لتطبيق القيود بمعزل عن التفاهم على آلية عمل واضحة وعلى الاصلاحات الضرورية التي يفترض أن تدعم هذه الآلية.

كما ليس واضحاً أمامه ما اذا كان الكابيتال كونترول سيخفف أو يزيد من وطأة القيود المرتبطة بتحويلات الحساب الجاري وتلك المتعلقة بانتقال رؤوس الاموال.

وقال الصندوق أيضاً، وفقاً للمعلومات، إنه ليس واضحاً أيضاً كيف سيلبي المشروع، الاستراتيجية التي ينادي بها والتي من شأنها إعادة هيكلة القطاع المصرفي وحل مشكلته. وهو يرى أن المشروع يشرّع القيود الراهنة، ويبقي في المقابل بعض الامور المهمة ملتبسة.

ولفت الصندوق أخيراً الى وجوب الأخذ في الاعتبار مدى تأثير هذا المشروع في التضخم وفي سعر الصرف وفي الاستقرار الماكرواقتصادي والمالي.

شارك المقال