تعميم الـ8 آلاف يرفع نسبة “تقطير” السحوبات للمودعين

فدى مكداشي
فدى مكداشي

بعدما عجز مجلس النواب عن إقرار قانون الكابيتال كونترول، وبعد دخول الحكومة في الموت السريري، يبدو أن الطبقة السياسية شعرت بالخطر نتيجة التدهور الاقتصادي الحاصل مع استمرار الهامش الواسع بين سحوبات الودائع على أساس 3900 ليرة وبين سعر السوق الموازية، إلى جانب الشكوك حول مصير الودائع في المصارف. وفي ظل حالة عدم اليقين، و”إلى حين وضع خطة حكومية متكاملة وشاملة تتوافق مع المبادئ الاقتصادية والاصلاحية ومتطلبات صندوق النقد الدولي”، أجرى مصرف لبنان تعديلاً للقرار الأساسي 13221 معطوفاً على التعميم 151 برفع سعر سحب الوديعة الدولارية على أساس 8 آلاف ليرة بدلاً من 3900. فما هي الاسباب التي دفعت مصرف لبنان إلى إصدار هذا القرار؟ وما هي تداعياته على سعر الصرف، وعلى أسعار السلع، والتضخم؟

يقول كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل في حديث لـ”لبنان الكبير” إن “مصرف لبنان قرّر تعديل التعميم 151 لأن مدة تطبيقه تنتهي في آخر كانون الثاني من العام 2022، أي أن هذا الإجراء هو تدبير استباقي كي لا ندخل في أي جدل عقيم مثل ما حصل مع اقتراب انتهاء مدّة العمل بالتعميم 151 وتمديده من مصرف لبنان لغاية كانون الثاني من السنة الجديدة”.

وأضاف: “إن مصرف لبنان اتخذ هذا الاجراء استجابة لطلب الناس، لكنه في المقابل وضع سقفاً للسحوبات على أساس 3 آلاف دولار شهرياً في ظل استمراره بسياسته النقدية التي تقضي بالحد من حجم النقد بالتداول في السوق اللبنانية لكي يلجم الطلب على الدولار في السوق الموازية”.

وإذ شرح أن الكتلة النقدية في الاقتصاد اللبناني، أي بالنقد المتداول، وصلت في آخر أيلول الى 38 ألف مليار ليرة، مما شكّل ارتفاعاً نسبته 31 في المئة في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي وارتفاعاً بـ73 في المئة منذ أيلول 2020، رأى أن “هدف مصرف لبنان لجم الطلب على الدولار في السوق الموازية، لكن هذا الأمر يجب أن لا يقع فقط على عاتق المصرف المركزي، فالطلب على الدولار في السوق الموازية يأتي جزئياً على الأقل من المواطن اللبناني بسبب غياب الثقة”.

وطالب السلطات التنفيذية والتشريعية بأن “تلاقي إجراءات مصرف لبنان من خلال إصلاحات بنيوية، وأهمها الانتهاء من وضع الخطة الإصلاحيّة الاقتصادية والمالية والنقديّة والمصرفيّة والذهاب بها إلى صندوق النقد لتوقيع اتفاق تمويلي إصلاحي يعطي صدقية للبرنامج الإصلاحي، ويفتح الباب أمام تدفق رؤوس الأموال الى لبنان مما يؤدي الى ضخ سيولة في السوق اللبنانية وتوحيد أسعار الصرف المتعددة لاحقاً وإلغاء السوق الموازية من خلال وضع آلية علميّة”.

بالنسبة الى التضخم، أشار غبريل الى أن “التجار يغيّرون الأسعار ليس فقط أسبوعيّاً بل أيضاً يوميّاً من دون أي حسيب أو رقيب، وبالتالي يجب أن يكون هناك نوع من الرقابة على الأسعار للجم التضخم”.

وبالنسبة إلى الودائع، اعتبر أن “هذا الإجراء ليس له أي علاقة بالودائع، فمصير الودائع يُقرّر من خلال البرنامج الإصلاحي الشامل وبرنامج النهوض الاقتصادي، ومن خلال أولويات هذا البرنامج التي يجب أن تكون توسيع حجم الاقتصاد ودعم النمو الاقتصادي ودعم القطاعات الخاصة وتجنّب فرض ضرائب وسياسة نقديّة تلجم التضخم. وبالتالي، القرار الذي اتخذه مصرف لبنان يجب أن يكون من ضمن خطّة إصلاحيّة شاملة وأن تلاقيه السلطات التشريعية والتنفيذية بإجراءات عمليّة على الأرض، لأنه منذ أكثر من سنتين أي منذ اندلاع الأزمة، لم يتخذ أي قرار للجم التدهور وبناء الثقة وإعادة ضخ السيولة بالعملات الأجنبيّة بالاقتصاد”.

علامة

من ناحيته، أوضح الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة أن “هذا التعميم الجديد أتى لتعديل القرار الأساسي والتعميم 151 الذي سُمح بموجبه لمن يمتلك ودائع بالدولار محجوزة في المصارف أي ما قبل 17 تشرين 2019 بتحريكها وفق سقوف محددة وبالليرة اللبنانيّة بسعر يعادل 3900 ليرة للدولار الواحد، لافتاً الى أن قرار اليوم يرفع سعر الدولار المحجوز في المصرف الى 8 آلاف ليرة وبسقوف شهريّة تحدد بـ24 مليون ليرة شهريّا، معتبرا أن هذه الخطوة تأتي لتدارك وضع أصحاب الودائع بعد اللغط الكبير المتعلّق بمصير ودائعهم”.

ورأى أن “الهدف من وراء رفع سعر الدولار هو السماح للمودعين بسحب جزء من ودائعهم بسعر أعلى تمهيداً لسداد مستحقاتهم في آخر السنة من رسوم وضرائب ومدفوعات إصافيّة تُجبى لصالح الخزينة، لافتاً الى أن مطلع العام المقبل قد يشهد ارتفاعاً بالرّسوم والضرائب ومتوجّبات الخزينة العامّة بشكل يترافق مع انتهاء المفاوضات مع صندوق النقد حول البرنامج المالي والإصلاحات الواجب إقرارها”.

واعتبر أن “السلطة السياسية لا تستطيع ولم تستطع إقرار رفع الرّسوم والاعتراف للمودعين بمصير ودائعهم بالدولار فنجدها تعمد الى قرارات وتعاميم صادرة عن مصرف لبنان قد تكون بمكان ما حلاً آنيّاً وموقتاً، وعلى المدى الطويل أزمة غير قابلة للحل. إن زيادة سقف السّحوبات بالليرة سيؤدي حكماً الى ازدياد كبير بالكتلة النقديّة التي ستستعمل للضغط على سعر الدولار في السوق الموازية مما يجعل سعره يأخذ منحى تصاعدياً وقد يصل سعر الدولار لاحقا الى أسعار قياسيّة غير مسبوقة”.

وأوضح علامة أنه “في هذه الحالة، أرادت السلطتان النقدية والسياسية تخفيف نسبة “الهيركات” على المودعين لضمان هدوئهم وسكوتهم ووضعت مصير الشعب اللبناني في المجهول نتيجة تحرك سعر الدولار لاحقاً بما يتناسب مع ارتفاع الكتلة النقديّة”.

شارك المقال