تحديات الـ 2022… الأزمة تتعمق و”التقاعس المتعمد” مستمر

المحرر الاقتصادي

طوى اللبنانيون صفحة العام 2021 السوداء وفتحوا صفحة العام 2022 على أمل أن تحمل لهم معها بعض منافذ الأمل.

لكن لا يبدو أن الأمل بغد مشرق سيكون قريباً أو قابلا للتطبيق في الـ2022. فكل المعطيات تشير إلى استمرار “التقاعس المتعمد” من السلطات اللبنانية في اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة، وفق توصيف البنك الدولي. وبالتالي، لن يكون هناك أي جديد يبدّل الواقع الاقتصادي الراهن لا بل سيكون العام 2022 أسوأ من العام الحالي الذي كان شاهداً على إذلال اللبنانيين وإفقارهم وإقفال صنبور الخدمات عنهم. لا حكومة فاعلة ولا مجلس نواب ناشط والتركيز على الانتخابات النيابية المقررة في ايار المقبل.

لا شك أن هناك تحديات عديدة سيكون على لبنان مواجهتها في العام الجديد، يبقى أهمها ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي وحده يمكن أن يفتح كوّة في جدار الأزمات الحادة التي يواجهها اللبنانيون. فكما بات معلوماً، هذا الامر بات بمثابة “حياة أو موت” للاقتصاد، ولا قيامة له من دون التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يستطيع لبنان من خلاله الحصول على تمويل قدّره حاكم مصرف لبنان رياض سلامه بـ4 مليارات دولار و”يمكن أن تأتي دول وتضيف على هذه المبالغ وقد نصل إلى مبلغ يراوح ما بين 12 مليار دولار و15 ملياراً يساعد لبنان على الانطلاق من جديد واستعادة الثقة”.

التطور الأبرز في هذا الملف كان في إعلان رئيس اللجنة المكلفة التفاوض مع صندوق النقد الدولي نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي التوصل إلى تحديد رقم للخسائر المالية ما بين 68 مليار دولار و69 مليارا. لكن الأصعب سيكون في توزيع هذه الخسائر بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين على الرغم من التأكيد الرسمي بالمحافظة على ودائع الناس وانه لن يصار الى تحميل المودع نسبة كبيرة من الاقتطاع. ويمثل تحديد الخسائر نصف الطريق أمام بلوغ الهدف الأكبر في إعداد خطة متكاملة للتعافي المالي والاقتصادي تكون مقبولة من الصندوق.

وسيصل وفد من الصندوق إلى لبنان في كانون الثاني المقبل، كما أعلن الشامي من قصر بعبدا، أمس، حيث من المتوقع أن تتعمق المفاوضات أكثر، ويجري تحضير “مختلف الملفات لتكون جاهزة لهذه المفاوضات على أمل أن نصل إلى اتفاق بأسرع وقت ممكن”.

لكن تحديد موعد لمجيء وفد من الصندوق لا يعني أن الاتفاق بات قريب الانجاز. على لبنان أن يظهر حسن النية أولاً، وأن تنفّذ الحكومة بعض الإجراءات والإصلاحات التي تثبت أنها ملتزمة فعلاً بالإصلاح. فكيف لها أن تظهر حسن النية فيما تحتاج قراراتها الى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء استعيض عنه باجتماعات مصغرة؟ وكيف يمكن رفع الآمال بامكان التوصل الى اتفاق في حين أن الشروط الاولية التي وضعها الصندوق لم يتم تنفيذها بعد، ولا سيما إقرار قانون لفرض قيود على التحويلات أو ما يعرف بالكابيتال كونترول، حيث المماطلة في إقراره لا تزال مستمرة منذ عامين في وقت كشفت وكالة “موديز” للتصنيف المالي أن اكثر من 9.5 مليارات دولار هُرّبت من لبنان منذ وقوع الأزمة المركبة عام 2019 حتى اليوم.

أما بالنسبة الى توحيد سعر الصرف (ويطالب به صندوق النقد الدولي أيضا)، فمن غير المتوقع تحققه في العام 2022 على الرغم من طمأنة الشامي الى وجود اتفاق مبدئي على هذا الامر على دفعات أو دفعة واحدة. فنحن حالياً نشهد المزيد من تعدد لسعر الصرف لا توحيداً له في ظل فوضى مالية ونقدية عارمة واتساع في الكتلة النقدية في التداول سيكون لامتصاصها كلفتها على المواطنين، وارتفاعا جنونيا لمعدلات التضخم وزيادة غير مسبوقة للبطالة.

أما التحدي الأهم فسيكون في فرملة أعداد اللبنانيين الذين يغرقون في بحر الفقر، والعمل على تأمين شبكة حماية اجتماعية توقف وجعهم. وكان البنك الدولي كشف عن توسع هائل في حزام الفقر في لبنان، ليضم فئات جديدة تبلغ نحو 2.3 مليوني نسمة من المقيمين، ويتوزعون بين 1.5 مليون لبناني و780 ألفا من النازحين السوريين، وذلك بعد رصد ارتفاع نسب الفقر عند اللبنانيين خلال العام الحالي بواقع 28 نقطة، مقابل 13 نقطة مئوية عام 2020، وارتفاع النسبة عينها بمقدار 52 نقطة مئوية بين النازحين في العام الحالي، مقابل 39 نقطة في العام السابق.

لقد رُفع الدعم في العام 2021 بعدما تكبّد مصرف لبنان خسائر كبيرة فاقت العشرة مليارات دولار من احتياطياته من العملات الاجنبية وتخطت الخط الأحمر للاحتياطي النقدي، وهي أموال المودعين أساساً، ولم تقابلها خطة سريعة لاطلاق برامج دعم مالي. ولا تزال البطاقة النقدية تبحث عن تمويل لها، ويبدو أنها لن تجده في العام 2022 الذي سيحمل مزيداً من التبديد لأموال المودعين.

ولا يقل اعادة الحياة الى القطاع الخاص أهمية عن التحديات السابقة والذي سيصاب بمقتل اذا ما تم إقرار الدولار الجمركي والذي ستكون انعكاساته كبيرة جداً على نسب تضخم الأسعار وعلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين.

لا شك أن عام 2022 سيكون صعباً مع استمرار تراجع الناتج المحلي الذي قدّره صندوق النقد الدولي بـ18 مليار دولار لهذا العام من 55 ملياراً في 2018، وعدم قدرة الاقتصاد على تحقيق نمو. وقد لخّص البنك الدولي آفاق العام 2022، فقال في تقريره الاخير عن حزام الفقر في لبنان، إنه لا يتوقع بأن ‏يحصل التعافي في لبنان في الأفق الاقتصادي الحالي، لكنه يشدد، في المقابل، ‏على أن الإصلاحات الجذرية أساسية في طريق التعافي وأن برامج ‏الحماية الاجتماعية تساعد كثيراً على التخفيف من وطأة الأزمات المتعددة‎.

في النهاية، لا يمكننا إلا أن نقول “الله يستر البلد”.

شارك المقال