الاقتصاد اللبناني عام ٢٠٢٢: بين التوقعات والتّمنيات!

فدى مكداشي
فدى مكداشي

“ما بين العام ٢٠٢١ والعام ٢٠٢٢ صلة وصل كبيرة. إذ اقفل العام المنصرم على مجموعة كبيرة من المشاكل والانهيارات طالت تقريبا كل القطاعات في الاقتصاد اللبناني. الاقتصاد اللبناني خلال العام ٢٠٢١ بات ميني إقتصاد وقطاعات عديدة فقدت حيويتها اضافة الى تلك التي غابت عن المسرح كليا”، فكل الأرقام تشير إلى ان الناتج القومي قد تقلص ليصبح بحدود ١٩ مليار دولار بعد أن وصل سابقا الى ٥٥ مليار دولار. التضخم الجامح فاق كل التوقعات ووصل الى حدود ٢٠٠ في المئة خلال العام ٢٠٢١. أما الطامة الكبرى فكانت بانتهاء العام على تراجع مخيف في الاستهلاك نتيجة تراجع القدرة الشرائية للفرد في وقت ما زال ميزان المدفوعات يعاني من عجز كبير قد يصل إلى ٧ مليارات دولار مع نهاية العام.

ما هي انعكاسات هذه المتغيرات وما هي التقديرات بالنسبة لعام ٢٠٢٢؟

اقتصاديًّا

لقد شهد العام ٢٠٢١ انكشاف الوضع الاقتصادي اللبناني برمّته فبالإضافة الى المشاكل التي كانت تعصف بالاقتصاد اللبناني معظم القطاعات الاقتصادية انكشفت وباتت أمام مصير مجهول خاصّة بعد الأزمات السياسية التي انعكست سلبا على علاقات لبنان مع الدول الشقيقة وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي هذا السياق، يرى الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة أن “الاقتصاد عادة هو انعكاس للوضعين الاجتماعي والسياسي في أي مجتمع وبالتالي لقد أصبح الاقتصاد اللبناني بشكل او بآخر مرآة لكل الأزمات التي يعاني منها لبنان. فلطالما اشتهر لبنان بالاستفادة من القطاع السياحي الذي أعلن خلال عام ٢٠٢١ أنه بات خارج الحسابات الاقتصادية اللبنانية في وقت تعاني الصناعة اللبنانية من انعدام التوازن وصعوبة تأمين المواد الأوليّة. أما بالنسبة للقطاع الزراعي فهو أيضا يعاني من صعوبات جمة ناتجة عن انعدام الأسواق لتصريف الإنتاج وناتجة عن ضعف القدرة التنافسية لهذا القطاع. أما بالشكل العام، فإن تحريك الاقتصاد يحتاج الى إدارة متعافية تستطيع ممارسة الحوكمة الرشيدة وتستطيع فرض السياسات الناجحة لتحقيق التنمية المطلوبة. وهذا ما كان غائبا كليّا إذ ظهر عجز الإدارة عن فرض هكذا سياسات أو عدم قدرتها على ممارسة الحوكمة الرشيدة”.

ماليا ونقديًا

يضاف الى الأزمات الاقتصادية التي حلّت خلال العام ٢٠٢١ المشكلة النقدية والمالية التي تركت آثارا سلبيّة وهدمت ما تبقى من اقتصاد منتج وقد طالت هذه الأزمات القطاع العام برمّته والذي بات نتيجة التضخم المالي الجامح الذي أصاب الوضع اللبناني، بات عاجزا عن العمل والإنتاج. من آثار الأزمة النقدية أيضا تراجع القدرة الشرائية للمواطن اللبناني التي أثرت بشكل مباشر في موضوع الاستهلاك، علما أن الاستهلاك في الاقتصاد اللبناني كان العنصر الأكثر أهمية الذي يساهم في تنشيط العجلة الاقتصادية.

ويعتبر علامة أن “تراكم الأزمات الاقتصاديّة والمالية والنقدية جعل من لبنان دولة عاجزة غير قادرة على إدارة أمورها وبالتالي أصبح لزاما التوجه لطلب المساعدة من الدولة الصديقة والشقيقة التي حددت شروطها بضرورة تنفيذ برنامج الإصلاحات الذي يشترطه صندوق النقد الدولي وإطلاق خطة مالية للتعافي الاقتصادي والتي أجبرت الدولة اللبنانية على التفاوض مع صندوق النقد الدولي طمعا بالحصول على هذا البرنامج الذي يتضمّن الإصلاحات المطلوبة والمساعدات الممكنة وحتى الآن ما زال الوضع اللبناني يتأرجح بين الأمل وصعوبة تنفيذ شروط البرنامج إذ ينتهي العام ٢٠٢١ على جولة أولى من المفاوضات التي ستثمر دخولا في الجولة الثانية التي ستحدد التفاصيل المتعلّقة بالخسائر وخطة التعافي المالي والمساعدات المطلوبة لاحقا علما أن الشيطان يكمن في التفاصيل في ظل انقسام لبناني داخلي حول كيفيّة التعاطي مع صندوق النقد والبرنامج الذي سيفرضه على لبنان”.

مصرفيًّا

على الصعيد المصرفي، لا شك أن عام ٢٠٢١ حمل مفاجأة من العيار الثقيل تمثّلت بعجز الكثير من المصارف عن إعادة أموال المودعين بطريقة طبيعيّة خاصة بعد الإجراءات التي عمدت المصارف الى تنفيذها بحق زبائنها وطريقة تنفيذ العمليات المصرفيّة. هذا يعكس حقيقة أن القطاع المصرفي في لبنان الذي لطالما اعتبر من أقوى القطاعات العاملة في المنطقة بات على شفير الانهيار وقد ظهر هذا الأمر من خلال قيام الكثير من المصارف العاملة في لبنان بمحاولة تقليص أعمالها وإقفال فروع عديدة وصرف عدد كبير من الموظفين.

ويؤكد علامة أن “القطاع المصرفي اللبناني بات بحاجة لخطة إنقاذ كاملة قبل حصول الكارثة الكبرى التي ستتمثل بإعلان عدد لا بأس به من المصارف عن عدم قدرتها على متابعة أعمالها بالشكل الطبيعي والمعتاد، معتبرا أن أصعب معضلة تواجه المصارف اليوم هي كيفيّة إعادة أموال المودعين المقدرة بـ104 مليارات دولار أميركي في وقت تعاني فيه معظم المصارف من انعدام السيولة لديها في ظل تقلّص حجم أعمالها الى مستواه الأدنى وغير المسبوق منذ نصف قرن”.

قد تكون سنة ٢٠٢٢ سنة الحل إذا نجحت الدولة اللبنانية في المفاوضات مع صندوق النقد وفي الحصول على برنامج المساعدات المرتبط بتنفيذ الإصلاحات الأساسية والتي تطال القطاعات الحيويّة كقطاع الكهرباء والقطاع المالي “مالية الدولة” والشق النقدي المتعلّق بتوحيد سعر الصرف وكيفية إدارة موجودات لبنان. أما في حال فشلت الحكومة في المفاوضات فيتوقع الخبراء أن سنة 2022 ستكون سنة الكوارث بامتياز إذ ستشهد انهيار ما تبقى من قطاعات عاملة في لبنان إضافة الى توقف القطاع العام بالكامل مع كل انعكاساته على المستويات الاجتماعية والصحية والتربوية والبيئية وستكون هذه الانهيارات “شبه إعلان رسمي لوفاة الدولة اللبنانية”.

شارك المقال