أيوب لـ”لبنان الكبير”: إنشاء الهيئة الناظمة وتشييد معامل جديدة مفتاح الحل

فدى مكداشي
فدى مكداشي

لا تزال مشكلة الكهرباء في لبنان الشغل الشاغل لكل الناس والمسؤولين، فهذا القطاع الذي استنزف خزينة الدولة واحتياطيات مصرف لبنان على المشاريع والسدود الفاشلة، تجد كل حكومة جديدة نفسها غارقة في وحوله، لأنه يخضع لسيطرة فريق سياسي رافض لكل الحلول التي قدمت، بدءا من صندوق التنمية الكويتي مرورا بالعرض الصيني وبعده الألماني لإنشاء معامل جديدة وحديثة يتم تشغيلها على الغاز وليس الفيول. لكن ما هو الجديد في هذا القطاع، بعد كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي جاء اثر معاناة كل اللبنانيين جراء انقطاع التيار الكهربائي عن كل المناطق اللبنانية أكثر من عشرين ساعة يوميا بعد أن كان وزير الطاقة السابق جبران باسيل قد وعدنا بأن التيار سيؤمن 24 / 24 عام 2014. 

“الحل الفرنسي” يثير التساؤلات

في حديث خاص لموقع “لبنان الكبير”، أوضح الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت مارك أيوب أن “الكلام عن حل فرنسي في الكهرباء هو موضوع شائك وغامض للغاية. فما هو هذا الحل؟ وماذا سيتضمن؟ وهل هو عبارة عن بناء معامل كما هي الخطة التي قال عنها ميقاتي في آخر شهرين، أي بعدما قمنا في المعهد بنشر دراسة السيدة كارول عياط حول إنشاء معملين بمشاركة الناس أو المودعين بقرار إختياري، لافتا الى أنه إذا عدنا الى الورقة الفرنسية عام ٢٠٢٠، فأول بند من إصلاح قطاع الكهرباء هو إصلاح المؤسسة لكن أيضا إنشاء هيئة ناظمة وتعديل التعرفة وبناء المعامل وفق الخطة لكن حكومة ميقاتي في الشهر الأول أرجأت مشروع تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء بسبب وجود خلافات سياسية عليها وبالتالي يتم العمل اليوم على موضوع مصر والأردن خاصة أن جلسات مجلس الوزراء علّقت في الأشهر الخمسة الأخيرة إلا أن هذا الموضوع يحتوي على الكثير من المخاطر ولا أتوقع أي نتيجة فعّالة على المدى البعيد”.

وأشار الى أن “المقترح الذي تقدّمت به عياط بموضوع حل مشكلة المصارف والكهرباء لا يزال يحتاج الى نقاش وطني على صعيد الفكرة وترجمتها في أماكن أخرى. الذي سمعناه هو أن هناك حماسة من قبل الحكومة لاتخاذ هذه الخطوة ليروا لاحقا كيف يمكن أن تتبلور هذه الفكرة وتتحول لدراسة ولشيء واقعي والذي هو عبارة عن بناء معملين لكن هذا يحتاج إلى قانون أي انعقاد الجلسات النيابية وجلسات مجلس الوزراء. وفي ظل الخلاف السياسي بين الأطراف هذا يعني أن الموضوع تم تأجيله بانتظار عودة مجلس النواب إلى الانعقاد. أما في حال لم تنعقد جلسات مجلس الوزراء، علينا الذهاب إلى قرارات اللجان والمراسيم التي تعد ترقيعيّة”.

وتابع: “من هنا يأتي موضوع الضغط على مصر والأردن وكلام الوزير الذي وعدنا بـ ١٠-١٢ ساعة في القريب العاجل لكن من الصعب تحقيق ذلك في الشهر الحالي وحتى في شباط أي من غير الممكن قبل شهر آذار إذا أردنا أن نكون متفائلين. للأسف ساعات التغذية الكهربائية التي كانت ضروريّة في فصل الشتاء فوّتناها وبالتالي اليوم نعتمد على ٤-٦ ساعات من التغذية الكهربائية مصدرها الفيول العراقي”.

أضاف: “وحتى الكلام عن حل فرنسي من خلال شركة “إي دي أف” (EDF) غير ممكن لأن الشركة مهامها استشارية فقط من ناحية بناء معامل وإجراء المناقصات. وبالتّالي الإصلاحات اليوم لا تحتاج إلى حل فرنسي أو أميركي فالحل هو لبناني وسياسي. لذا، يجب إبعاد اليد السياسية عن هذا القطاع والولوج للخيارات التقنية التي هي معروفة من خلال تعيين هيئة ناظمة والإتيان باختصاصيين وبناء المعامل والتحول نحو الطاقات المتجددة”.

ورأى أن “كل الحلول موقتة والقرار هو سياسي. بالإضافة الى الخلاف حول بناء معملين أو ثلاثة، وخطاب باسيل يصب نحو إنشاء معامل غاز في سلعاتا. لذا نرى أن الخيار لا يزال مناطقيا ويتجه نحو كهرباء مناطقيّة، في الوقت الذي نلاحظ أن كهرباء الشمال هي عينها في الجنوب وليست طائفية. على الناس أن تعي ماذا تسمع. فكل مرّة يقولون كهرباء “فرنسية” أو “أميركية” أو يعتبرون الغاز حلا أميركيّا وهذا أمر خاطئ”.

السبل القانونيّة

من المعروف أن القانون الوحيد الذي ينظّم قطاع الكهرباء هو قانون رقم ٤٦٢ الذي صدر عام ٢٠٠٢ وحتى اليوم لم يطبّق. في هذا الإطار، اعتبر أيوب أن “واحدة من أهم الأمور والعواميد الأساسية فيه هي تعيين الهيئة الناظمة التي تملك دورا مهما فيما يتعلق بالتقنيات أي إعطاء تراخيص الإنتاج والتوزيع والنقل، لافتا إلى أن العقبات السياسيّة هي التي لم تساعد على تعيين الهيئة الناظمة فالحجة التي تستخدم في هذا الموضوع أن صلاحيات الهيئة تتعارض مع صلاحيات الوزير الذي ينص دستور الطائف في المادة ٦٦ على أن الوزير سيّد وزارته وهي قد تسلب صلاحيات الوزير خاصة أن لديها صلاحيات تقريرية وليست صلاحيات استشارية، ومشيرا الى أن الخلاف الذي حصل على مدى السنوات الماضية هو حول تعديل القانون ٤٦٢ وتحويل الهيئة الناظمة من هيئة تقريرية الى هيئة استشاريّة مثل هيئة إدارة قطاع البترول الموجودة منذ ٢٠١٢ والتي تعد قراراتها استشارية غير ملزمة. من جهة أخرى، الهيئة الناظمة – قانونا – هي هيئة مستقلة وهي متخصصة بالتقنيات”.

ولفت الى أن “آخر دراسة أجريناها أثبتنا فيها أن القانون والهيئة الناظمة مع صلاحياتها لا تتعارض مع الوزير، أي أن الوزير يبقى على رأس الوزارة ويضع الاستراتيجيّات للقطاع ويتشارك مع الهيئة في القرارات. لكن يبقى الخلاف سياسيا مع الأسف، مشيرا الى أنه منذ عشر سنوات وموضوع تعيين هيئة ناظمة يتم تمييعه داخل مجلس الوزراء في حين أن كل الإصلاحات اليوم والتقارير تؤكد على ضرورة تعيين الهيئة من أشخاص مستقلين اختصاصيين بعيدا عن التعيينات السياسية والطائفية كي لا نعود الى المشكلة عينها. وهذه الهيئة تساهم في خلق معيار جديد للحوكمة يفصل بين مؤسسة كهرباء لبنان والقرارات التقنيّة التي يجب أن تتخذ وتُبعد أيضا سطوة السلطة السياسيّة”.

الغاز المصري والأردني: حلول وعقبات

* الأردن: بالنسبة للحلول الموعودة بشأن استجرار الغاز المصري والأردني، يوضح أيوب أنه في حالة الأردن “هو عبارة عن كهرباء عبر العواميد أي تنقل من الأردن الى درعا إلى دمشق ومن ثم الى لبنان وتحديدا في محطة كسارة زحلة. وهذه المحطة قدرتها ٢٥٠ ميغاواط كحد أقصى أي أن الاتفاق الذي سيوقّع هذا الشهر بين الأردن وسوريا ولبنان والذي توصلوا فيه الى العقد النهائي ينص على إعطاء لبنان ١٥٠ – ٢٥٠ ميغاواط للحصول على ساعتي كهرباء إضافيتين”.

ولفت إلى “مشكلة تقنية تمثلت بالعواميد المدمرة في جنوب سوريا جرّاء الحرب، مشيرا إلى أن الاتفاق حصل في تشرين الاول ثم أعلنت سوريا أواخر العام المنصرم أنها أنهت إصلاح العواميد وهي جاهزة لنقل الكهرباء الى لبنان، لافتا في الوقت عينه إلى أن الشق المالي هو العقبة أمام لبنان بحيث يتم البحث عن التمويل من مصادر مختلفة وهناك مفاوضات مع صندوق النقد والبنك الدولي لأن الاخير كان يهدف لتمويل الغاز وليس الكهرباء الأردنية. هذا العقد يمكن أن يوقّع هذا الشهر في حال تم الاتفاق على مصادر تمويل له لأن لبنان لن يستطيع أن يدفع، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق على سعر الكهرباء الذي هو بمعدّل ١٢ سنت لكل كيلوواط ساعة و١١.٢ سنت للأردن و٠.٨ سنت لكل كيلوواط/ساعة لسوريا سعر نقل الكهرباء، علما أن سوريا لا تقبض نقدا المبالغ المتوجبة لها بل تأخذها على شكل تغذية كهربائية. هذا الشق الأردني ومن المتوقّع أن يكون حلا سريعا في حال تم تأمين التمويل”.

* مصر: شرح أيوب أن “هذا الخط وُضع ما بين العامين ٢٠٠٨-٢٠١٠. بعد أشهر قليلة توقّف العمل لأن مصر لا تملك غازا، ثم جاءت الثورة في مصر الأمر الذي أدى إلى نسيان الموضوع. الذي حدث مؤخرا أنه في موسم الصيف بعد صدور هذا القرار أعلنت الولايات المتحدة أنها غضّت النظر عن عقوبات قانون قيصر في هذا المجال وبدأ الحديث مع البنك الدولي والجانب المصري لتأمين الغاز”.

وعن كيفيّة استفادة لبنان منه، قال: “هذا الغاز يزوّد معمل دير عمار في الشمال بـ٤٥٠ ميغاواط ولديه القدرة القصوى لكنه غير موصول مع المعامل الأخرى، يعني إذا أردنا أن نأتي بالغاز المصري يمكن تفعيل معمل واحد وهو معمل دير عمار ويمنحنا ٤-٥ ساعات إضافية. من هنا يأتي الحديث عن ٤-٥ ساعات من مصر وساعتين إضافيتين من الأردن، وبالتالي هذا تفسير الحديث عن ١٠-١٢ ساعة التي يتكلم عنها الوزير والحكومة المجتمعة بأنها قريبة”.

بالنسبة لتضرر المنطقة بين لبنان وسوريا، أوضح أيوب أنه “تم الأسبوع الماضي الاتفاق مع شركة مصريّة لإصلاح الوصلة بين سوريا ولبنان، وهذه تحتاج الى ستّة أسابيع ليتم إصلاحها أي ما بين منتصف شباط وأواخره. أما ماليا، هناك موافقة من البنك الدولي على منح ٢٥٠ مليون دولار لمدّة سنتين لتمويل استجرار الغاز والدفع عن لبنان في هذا الموضوع وهذا يحتاج الى موافقة البنك الدولي والذي من المتوقع حدوثه أواخر الشهر”.

ولفت إلى أن “الأميركيين أعطوا رسالة اطمئنان للمصريين بأنه لا يوجد لدينا أي مشكلة في استجرار الغاز الى سوريا في ظل قانون قيصر لأن سوريا تستفيد من الغاز حتى في قصة الكهرباء مؤكدين لهم أنه لن يتم منح سوريا أموالا لكن ستستفيد من كميات الغاز فقط، مشيرا إلى أن المصريين ليسوا مرتاحين الى الشق السياسي أي أن هذه الرّسالة ليست كافية لإعطائهم ضمانات حول تزويد الغاز ولن يخاطروا بشركة الغاز المصرية الوطنية ويعطوهم الغاز. هنا يتوقف الموضوع على الجانب المصري وهذا كلّه لن يتحقق قبل شهر آذار في حال تحسّن الخط إذا كنا متفائلين كثيرا، معتبرا في الوقت عينه أنه على الرّغم من كل هذا، لا يمكن اتخاذ أي قرار ببناء معمل كهرباء أو قبول أي حل فرنسي أو إيراني في حال لم يصل لبنان بعد إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.

شارك المقال