سلّمولي عوزير الاقتصاد ونوّابنا فرداً فرداً

يارا عرجة
يارا عرجة

نزل الدولار ويا فرحة ما تمّت!

بعدما كابد اللبنانيون لعامين أزمة الغلاء المعيشي، وبعدما تهجّر الشباب وتعتّر الصامد في البلد باحثاً على أكثر من مصدر رزق للمقاومة، استُجيبت الصلوات والدعوات “بليلة ما فيها ضوّ قمر” وانخفض سعر الصرف ليلامس حدّه الأقصى 19850 ليرة، فكانت المعجزة أو اللعبة التي حاكها السماسرة لاستكمال ما أنجزته أيديهم منذ بداية الأزمة من بيع موانئ وقطاعات الدولة بسعر بخس لحيتان المال، نوّابنا ووزرائنا ورؤسائنا الأعزاء.

انخفض الدولار منتصف شهر كانون الثاني وانخفضت معه أسعار المحروقات وبدأت التخفيضات والعروضات تتوالى من كلّ حدب وصوب، إلى أن قررّ فجأة أصحاب السوبرماركت رفع أسعار السلع من جديد. طبعاً، “بطّلت توفي معهم”، فمن اعتاد احتكار المواد وسرقة الملايين في الأسبوع الواحد، لا بل في اليوم الواحد، لن يكتفي بجني مبالغ أقلّ (وهي ما زالت مبالغ طائلة) بعد انخفاض الدولار. وبالطبع، مع بداية الشهر الجديد، تستحق فواتير الكهرباء والماء والمولّدات، فهل سيقبل صاحب المولّد أن يجني ما يوازي المليون وسبع مئة ألف ليرة (أي 90$) على الخمسة أمبير، بينما كان يحصّل ما يقارب الثلاثة ملايين في الأشهر السابقة؟. حاشاه! وسبحان الله، مراعاة لمشاعرهم ومطامعهم، ارتفع سعر الصرف اليوم 2 شباط 2850 ليرة، وهو ارتفاع “طفيف” كما وصفته الأوساط المعنيّة. وحلّ علينا صاحب الموّلد بطلّته البهيّة وأخبرنا أنّ اشتراك الخمسة أمبير بات يُكلّف بين الـ 100 والـ 120$ طبعاً حسب مكان السكن. السبب؟ ارتفاع سعر المازوت “فجأة” مع اقتراب أوّل الشهر وانخفاض الدولار، سبحان الله. أيُعقل أن تبلغ فاتورة الموّلدات أقلّ من مليوني ليرة؟ أعوذ بالله!.

والمُضحك المبكي هوعرض الـ”Wooden Bakery” الذي تكرّم علينا وجعل سعر المنقوشة بجبنة 32 ألف ليرة بدلاً من 38 ألفاً، وهو يغيظ المهاجر بذلك “يلي هاجر راحت عليه!”. بالله عليكم وعلى من ابتكر العرض وصمّمه!، “المغترب عايش ملك”، ويأكل منقوشة بجبنة وساخنة وبسعر رمزي جداً في البلاد العربية والأوروبية. وهو للأسف لم يسلم من جشع السلطة اللبنانية التي ألمحت إلى دور الجالية اللبنانية في تمويل السفارات والقنصليات في ظلّ عجز وزارة الخارجية عن دفع رواتب السفراء والعاملين في السلك الديبلوماسي.

أين وزيرنا الوسيم أمين سلام من كلّ ما يحصل؟ أليس على وزير الاقتصاد مكافحة الغلاء وملاحقة المحتكرين وأصحاب المولّدات؟. لقد حاولنا التواصل مع قسم حماية المستهلك أكثر من مرّة للابلاغ عن المخالفات، لكن كالعادة لم يرد أحد على الخط الساخن ولا على رقم الوزارة. كما حاولنا التواصل مع البلديات، تلك التي يقولون عنها في كتب التربية المدنية أنّها “حكومات محليّة” في المناطق، والنتيجة هي عينها “لا حياة لمن تنادي”، مؤسسات فارغة ذات أموال منهوبة وموظفون متقاعسون ورؤساء “بالاسم”. فلتلغ إذاً مادة التربية المدنية من المناهج التربوية. ما الداعي لدراسة أهميّة الوزارات والبلديات إن لم تقم بواجباتها وأعمالها؟ وما الداعي لتعريف الولد على النظام المصرفي الذي نهب أموال والديه قسراً؟ وما الداعي لتعليمه القوانين ومواد الدستور الذهبي إن لم يكن يُطبّق؟.

أتساءل عما يفعله وزير الاقتصاد ونوّاب الأمّة العتيدة، في حين يدفع المواطن فواتير الاشتراك وهو يتعرّض للغبن والسرقة، ويبحث من سوبرماركت الى آخر عن المنتج الأرخص، ويذرف دموعه على ولده في المطار، ويموت أفراد عائلته على أبواب المستشفيات؟. أتساءل عما يجول في خاطرهم؟ أيؤلمهم ضميرهم ليلاً حين ينامون؟ أيغصّون باللحمة عند أكلها بينما يُحرم منها الكثيرون من أبناء وطنهم أو يعتقدون أنّ منقوشة الـ Wooden Bakery لا تزال رخيصة ومن الممكن تناولها يومياً؟ أيدفعون ثلث معاشهم لأصحاب المولّدات أو لديهم محطة توليد كهرباء خاصة بهم؟ أيبحثون عن الدواء الأرخص لشفاء مرضاهم أو يسافرون لتلقي العلاج في أفضل المستشفيات؟ أيشعرون بالحرج أمام أولادهم لعدم تمكنهم من تلبية طلباتهم كافة كما في السابق أم أن أولادهم أمراء تربّوا على الاقطاع والفساد؟.

أتساءل أنا وأنتم، في حين ينهمك كلّ منهم في رفاهيته وتأمين راحة باله: نساؤهم مدللات الكوافير الذي يهتم بأناقتهنّ، ولم يضطررن لاستبدال “البراند” بآخر أرخص بسبب ارتفاع الأسعار، وأولادهم في أغلى المدارس والجامعات في العالم، يشاهدون ثروات آبائهم ويتهيّأون لوراثتها مع الزعامة في المستقبل. ومنهم من هو منهمك في تهريب ثرواته من المصارف اللبنانية، وآخرون في حالات استجمام في قصورهم الدافئة في لبنان وأوروبا، في حين يئن المواطن من برده مع غياب وسائل التدفئة وانقطاع الكهرباء.

ليس المهمّ من ترك السلطة ومن سيدخل عرينها، ولا من سيصبح سيّد القصر بعد أشهر قليلة، ولا من سيربح المعركة الاقليمية في اتفاق فيّينا، بل المُهم هو نحن، الشعب، حياتنا، وظائفنا، معيشتنا، حقوقنا، أولادنا  ومستقبلنا. تتغيّر الرؤوس وكذلك الدول ولا تتغيّر المطامع وأساليب الحكم، لأنّ الإقطاع ركيزة المجتمع اللبناني وأساس السلطة. فإن كان القصاص حقاً والمحاسبة حقاً، فليعش هؤلاء ما نعيشه اليوم حتى يتمنّوا الموت ولا يجدوه.

شارك المقال