يُقال إن الإصلاح الجاد يستحق التضحية وليس الخسارة لأنه أفضل طريق تُكافح به الثورة، لكن التكتيك من أجل التضحية بكبش فداء “وحيد”، لتغطية ما ارتكبه الجميع هو عمل غير أخلاقي، ولا سيما ان صبّ الهجوم والعدائية مع المعرفة المسبقة بأن المستهدف ليس هو المسؤول فقط عن كل الويلات وعظائم الأمور، بات لعبة مكشوفة ومفضوحة على الساحة اللبنانية التي احتل فيها اسم رياض سلامة من جديد عنوان المعارك الأخيرة للعهد، الذي يُصر مع القاضية غادة عون على حبس الحاكم وتحميله منفرداً مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. قصة “القلوب المليانة” بين العهد وسلامة، تجدّدت شرارتها الأسبوع الفائت مع اتهام رئيس الجمهورية حاكم مصرف لبنان بإخفاء معلومات عن التحقيق الجنائي وانتهاج المماطلة لجهة تسليم الداتا المطلوبة، ومشدداً في الوقت عينه على أن هذا النهج التدميري لاقتصاد لبنان وسبل العيش الكريم وقوّة النقد سوف يسقط مع رموزه، بحيث لن يصيبه أي كلل أو إنهاك قبل تحقيق ذلك.
حاكم مصرف لبنان الذي أصدرت القاضية غادة عون مذكرة إحضار بحقه وتكليفها جهاز أمن الدولة القبض عليه وسوقه إلى التحقيق قبل 24 ساعة من موعد الجلسة المقرّرة في 15 شباط الجاري، غير آبهة بطلب الرد الذي تقدّم به، اعتبر أن ضميره مرتاح على الرغم من الحملات التي يتعرض لها، وأن كل مكامن الضعف التي أدت الى الأزمة اللبنانية الحالية تم حصرها بشخصه، وهو أمر غير منطقي هدفه شيطنته وتحويله الى كبش محرقة، مشيراً إلى أن مصرف لبنان كان خلال العامين الماضيين المؤسسة الوحيدة التي موّلت القطاعين العام والخاص وتصّدت لكل المخاوف، خصوصاً تلك التي كانت تتحدث عن مجاعة مقبلة. وحسب سلامة، فإن جزءاً من النقمة عليه وعلى “المركزي” يعود إلى عدم سماحه الدفع باتجاه الانهيار الكبير عبر تحطيم صورة لبنان، نافياً أن يكون الخفض الحاصل في سعر الصرف مرتبطاً بقرار سياسي لتمرير مرحلة ما قبل الانتخابات، والإيحاء بأن قوى السلطة الحالية ممسكة بزمام الأمور.
وفي هذا الإطار، تقول مصادر “لبنان الكبير”: “ان الرئيس ميشال عون يحاول في نهاية عهده أن يفتح معركة مع شخص يُحمّله عدد كبير من اللبنانيين مسؤولية خسارة أموالهم (سواء أكانوا مع العهد أو ضده). وانطلاقاً من أن شخص سلامة غير محبّب أو مرحبّ به في الأوساط الشعبية، يعتقد العهد أن هذه الخطوة قد تجلب التعاطف معه في أيامه الأخيرة، لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن اللبنانيين لا يثقون بالعهد تماماً كمقدار عدم ثقتهم بسلامة”.
وترى المصادر أن “إلحاح عهدٍ عبث باللبنانيين طوال فترة حكمه ويعيش حالة من النكران وعدم الاعتراف بأخطائه وأبرزها ما حصل ويحصل في ملف الكهرباء، على معاقبة رياض سلامة فقط تحت ذريعة محاربة الفساد، سيشكّل حالة تعاطف مع حاكم مصرف لبنان على الرغم من لومه على الكثير من الهفوات والقرارات غير الصائبة، إذ ليس من المنطق أن يتغافل العهد عن محاسبة من هم مدانون بالسرقة والفساد وملاحقة رياض سلامة فقط من أجل مصلحة شخصية بحتة وليست وطنية كما تُفترض أن تكون”.
وعن إدانة رياض سلامة، تُشير هذه المصادر إلى أنه “لا يوجد حتى اليوم داخلياً أو خارجياً ما يُثبت تورطه على الرغم من وجود بعض الشكوك والتساؤلات حول دوره في هذه الأزمة، وبالتالي لا بد من الانتظار إلى إثبات التهم كافة الملقاة على عاتقه، خصوصاً أن الوقت الآن ليست لمحاسبة سلامة لما لذلك من تداعيات سلبية ستنعكس مزيداً من الانهيار في سعر الصرف، فضلاً عن أن البديل لن يحصل على رضى دولي، إذ لا يُمكن الإنكار أن الحاكم يحظى بإجماع دولي (أميركي وأوروبي) حتى الآن وكذلك بإجماع من القطاع المصرفي اللبناني. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن لبنان قائم على القطاع المصرفي ومن الصعب في هذا التوقيت تحديداً اتخاذ قرار يقضي على هذا القطاع نهائياً عبر إطاحة سلامة. وعن المحاكمات خارجياً، فإن التحقيقات لا تزال جارية على قدم وساق، وستكون لها الكلمة الفصل في إدانة سلامة أو إعلان براءته، على عكس ما يجري في لبنان حيث تتواجد قاضية لا تلتزم بالقوانين عبر رفضها استلام طلب الرد”. وهنا تتساءل المصادر: “كيف لقاضية تُخالف القانون أن تُجري محاكمة عادلة، معتبرة أن القضية أخذت طابعاً شخصياً بحيث تحولت إلى ثأر شخصي ولم تعد منصفة بعدما أصبحت طرفاً في القضية”.
وإذ تُؤكد المصادر أن “محاولات قبع سلامة من مكانه ليست بالهينة، إلا أن العهد يسعى الى الإتيان بحاكم يدور في فلكه ويكون تحت ولائه مهما كلفه الأمر وليس بهدف الحرص على أموال اللبنانيين، وإلا لكان تم التحقيق جنائياً ودولياً في كيفية هدر مليارات الدولارات في وزارة الطاقة، تلفت إلى أن الشعب اللبناني يريد بالتزامن مع معرفة من سرق أمواله، معرفة أين ذهبت أموال الكهرباء وكيف ولصالح من؟. وعليه، يريد اللبنانيون طرفاً حيادياً يقوم بالمحاسبة والمساءلة وليس رئيس الجمهورية لأنه لا يملك هذا الحق كونه شريك في السلطة كرياض سلامة”.
وتختم المصادر: “ما دامت هناك جهات خارجية وأطراف عديدة تدعم وجود رياض سلامة، لن يتمكن العهد من فعل أي شيء سوى التسبّب بالمزيد من الغرق والانهيار، وفي حال نجحوا في إطاحته، فلن يتمكنوا من تعيين حاكم جديد على الإطلاق، وجلّ ما في الأمر سيتسلم زمام الحكم نائبه، الذي لا يحظى أيضا برضى عوني رئاسي”.