إلى الحرب النفسية والاقتصادية من جديد!

هدى علاء الدين

على وقع شظايا الحرب الروسية – الأوكرانية، يعيش اللبنانيون حالة من الاستنزاف والتلاعب النفسي ليسقطوا في فخ الحرب النفسية والاقتصادية ضمن مسلسل لا تنتهي فصوله في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية ومالية ونقدية منذ سنوات. فمع كل أزمة داخلية أو خارجية، يبدأ الرهان على هذه الحرب عبر ضخ كميات ضخمة من الشائعات والأخبار والتحليلات التي تزرع حالة الشك وعدم اليقين، وتزيد من هلع المواطن اللبناني المثقل بهموم معيشته وكيفية تأمين احتياجاته الأساسية بعدما فقد قدرته الشرائية على سداد فاتورة هذه الاحتياجات.

القمح والطحين والخبز والبنزين، مفردات لم ينسها المواطن اللبناني ليتذكرها، ودخلت بفعل الحرب بين روسيا وأوكرانيا على خط التكهنات التي باتت تُهدد ما تبقى من أمنه الغذائي. تصريحات من هنا وهناك ضاقت بها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول تداعيات هذه الحرب على الاقتصاد اللبناني وتبعاتها في ظل جشع لا ينتهي لتجار الأزمة في لبنان، وكأن الحرب الاقتصادية التي شُنت على هذا البلد من الداخل لا تكفي للقضاء على هويته، لتأتي هذه الأزمة الخارجية كسيف مصلت وذريعة تفي بالغرض من أجل الإجهاز عليه. صحيح أن هذه الحرب ستلقى بظلالها وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي، وأولى نتائجها كان التذبذب في البورصات والتبادل التجاري وسعر العملة الروسية وارتفاع البيتكوين، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط والقمح والذرة التي وصلت إلى مستويات مقلقة، وأن لبنان لن يكون بمنأى عنها لا سيما وأنه يستورد حوالي 60 في المئة من القمح من أوكرانيا، ويعتمد على استيراد المحروقات الملتهبة أسعارها منذ رفع الدعم عنها، وبالتالي فإن أي ارتفاع في أسعارها سيؤدي تلقائياً إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بسبب ارتفاع تكلفتها، إلا أن حالة الهلع التي ينجح المسؤولون في نشرها كان يمكن لها أن تكون أخف وطأة لو نجح لبنان الرسمي في حل أي من الأزمات وأولها أزمة الدولار وثانيها إتمام المفاوضات مع صندوق النقد الدولي واستعادة الثقة الخارجية.

وعن انتشار الحرب النفسية والاقتصادية في العالم، يقول مرجع متخصص في علم النفس لموقع “لبنان الكبير”: “هناك نوع شائع اليوم في الحرب النفسية يتمثل في الحرب الاقتصادية، لا سيما وأن الحرب التقليدية التي تتم بالأسلحة الثقيلة والصواريخ والدبابات أصبحت قليلة مقارنة بالقرن الماضي الذي اندلعت فيه الحرب العالمية الأولى والثانية وغيرها من الحروب التي كانت تستخدم فيها الحرب النفسية كسلاح فاعل وفتاك إنما بوتيرة أخف. فعلى سبيل المثال، سيكون من الصعب جداً في الوقت الحالي لجوء أي دولة في حربها إلى استخدام السلاح النووي، لكنها تعمد إلى التهديد والتهويل بإمكانية اللجوء إليه عبر شن حرب نفسية لبث الخوف والذعر ومشاعر القلق والتوتر والشك لدى العدو الذي كلّما كان في حالة نفسية أو معنوية سلبية كلما كان ذلك مكسباً لصناعها”.

علمياً، فإن الحرب النفسية علم قائم بذاته، يستخدم وسائل وأساليب للتأثير النفسي على الناس سواء كانوا مرتبطين بالجهة التي تعمد إلى نشر الشائعات والرسائل المشفرة التي تخدمها بطريقة مباشرة عبر رفع الروح المعنوية والدفع بالسلوكيات التي تتناسب مع الغايات المراد تحقيقها، أو بالجهة المستهدفة (الطرف الثاني في الحرب) والتي ترمي إلى تحطيمه وتدميره نفسياً وإحباطه، علماً أن من جوانب الحرب النفسية المتعددة ليس استهداف الجبهات العسكرية أو العمليات الحربية وحسب، بل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية أيضاً. إذ عبر التاريخ، هدفت الحروب في معظمها إلى السيطرة على الموارد الاقتصادية، ولعلّ ما يحدث اليوم هو خير دليل على الحروب الاقتصادية التي تشتعل أحياناً وتخمد حيناً آخر تبعاً للأهداف والتوقيت. فمن مفاوضات فيينا والصراع على موارد النفط والغاز والقمح بين الدول، تشتعل اقتصادات العالم من دون أي استثناء بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وتلقي بانعكاساتها على الشعوب والتي غالباً ما تكون انعكاسات سلبية.

ومن هذه الدول لبنان، الذي أصبح، خصوصاً في العامين الأخيرين بعد الانهيار المالي، أرضاً خصبة للتلاعب والابتزاز ليس من قبل الحكومة أو المسؤولين وحسب، إنما من قبل التجار أيضاً. فهناك مجموعات تتكون من عدة جهات (أصحاب منفعة) مهمتهم الوحيدة خوض حرب نفسية أسوة بتلك التي ارتبطت بالدولار، لا سيما وأن الشعب اللبناني بات في الآونة الأخيرة من أكثر شعوب العالم التي لديها استعداد نفسي للتلاعب بها، بعدما أحاط نفسه بفعل الظروف والأزمات التي يعانيها ببيئة من الخوف والقلق والتوجه إلى شراء السلع وتخزينها خوفاً من فقدانها أو غلاء سعرها مهما كانت. وما انتشار الأخبار التي تُفيد بأن قارورة الغاز ستصبح بـ 600 ألف ليرة، وبأن صفيحة البنزين سترتفع لتزدحم محطات البنزين بالمواطنين من أجل التعبئة ليل الثلاثاء خوفاً من ارتفاع سعرها صباحاً، سوى استغلال الحرب بين روسيا وأوكرانيا لتحقيق بعض المكاسب وإن كانت الأسعار فعلاً سترتفع قليلاً، لكن أسلوب تخويف المواطنين من عدم قدرتهم على إشباع احتياجاتهم النفسية والاقتصادية والتلاعب بمشاعرهم وازدياد وتيرة القلق لناحية الأمن الغذائي والخوف على المستقبل والمصير هو أخطر ما في الأمر، بحسب المرجع.

إذاً، أزمة لبنان اليوم هي أزمة مضاعفة ترتكز على فشل داخلي وصراع خارجي، وفي الحالتين المواطن اللبناني وحده من يدفع الثمن باهظاً. فخلال عامين لم ينجح لبنان وخصوصاً بعد تفجير الإهراءات في إيجاد أي بديل لتخزين القمح أو استيراد كميات تحمي اللبنانيين من أي أزمة طارئة، ولم يقم بأي إجراءات جذرية تسيطر على سعر صرف الدولار الذي يتحكم مباشرة بأسعار المحروقات، لكنه دوماً حاضر لتحذيرهم من خطر فقدان القمح أو نفاذ مخزون البنزين في حرب نفسية واقتصادية بات يتقن خوضها بلا دماء.

شارك المقال