حركة بلا بركة وشائعات عن “تحليق” الدولار

هدى علاء الدين

تنعكس حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي يعيشها لبنان على كل القطاعات والمؤشرات والأسعار الاستهلاكية، بحيث أدخلت اللبنانيين في دوامة لامتناهية من القلق والخوف وعدم اليقين بعدما أصبحت الأزمات كافة عصية على الحل. لبنان الذي ينتظره استحقاق دستوري مصيري بعد حوالي الشهرين، يُنذر فيه واقع الانهيار المالي والاقتصادي وانعكاساته واشتعال أسعار المحروقات من جديد والخوف من انقطاع القمح وعودة ارتفاع الدولار، بأيام وأسابيع أكثر قساوة بدأت تلوح في الأفق. وعلى وقع هذه التحديات، لا تزال الدعوات والمناشدات اليومية مجرّد أقوال لا أفعال، إذ دعا رئيس الجمهورية ميشال عون خلال انعقاد مجلس الوزراء في بعبدا إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات السريعة لضمان الأمن الغذائي للبنانيين، بعد التطورات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، وإلى ضرورة مواجهة غلاء الأسعار ومنع الاحتكار، مشيراً إلى أنّ وفد الصندوق الدولي سلّط الضوء على ضرورة إقرار خطة التعافي في أسرع وقت ممكن. وشدد على ضرورة تأمين التوافق السياسي لإقرار خطة التعافي مع تأكيده أنّ الوضع المالي دقيق جداً، ولا يحتمل أيّ تأجيل، واضعاً الجميع أمام مسؤولياتهم.

الحركة السياسية النشطة على أكثر من صعيد واتجاه، يقابلها جمود اقتصادي على الرغم من كثرة الأحاديث والبيانات والمطالبات التي تبقى كلها خارج إطار التنفيذ. نقطة الانطلاق التي لا يزال لبنان عاجزاً عن الوصول إليها، على الرغم من أنها طوق النجاة لهذه المرحلة، تبقى في نجاح مفاوضاته مع صندوق النقد التي طال أمدها، خاصة وأنّ التعثر في هذا الإجراء لم يعد أبداً في صالح لبنان. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مقرّبة من الصندوق، طلبه من لبنان الوفاء بسلسلة من الشروط المسبقة قبل التفاوض بشأن خطة الإنقاذ تشمل إطاراً للإصلاح المالي وإصلاح القطاع المصرفي المتعثر ومراجعة حسابات مصرف لبنان وقطاع الكهرباء، بعدما فشل منذ فترة طويلة في الوفاء بها، الأمر الذي زاد من الشكوك حول إمكان الاتفاق على الخطة. من جهته، طلب نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي من رئيس الجمهورية أن تكون هناك ورشة عمل حكومية برلمانية لتنفيذ بعض الإصلاحات الضرورية للوصول الى اتفاق مع صندوق النقد، مشيراً إلى أنّ العجلة في العمل بين الحكومة ومجلس النواب ضرورية للوصول إلى اتفاق قبل الانتخابات النيابية.

وتعليقاً على مسار هذه المفاوضات، أشارت مصادر “لبنان الكبير” إلى أنّ مسؤولية الحكومة اليوم تفرض عليها مضاعفة الجهود بسبب خطورة الوضع الاقتصادي المتدهور، معتبرة أنّ التأخير في إتمامها يٌفقد لبنان أهم مفاتيح الانقاذ. وحذرت من أنّ تعمّد إرجاء نجاح المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات النيابية وعدم إجراء أي إصلاح على المدى القصير من أجل أن يبنى على الشيء مقتضاه، سيعمّق من الانهيار العمودي في هيكلية لبنان الاقتصادية. فإنجاز خطة التعافي المالي والاقتصادي لا يزال يدور في حلقة مفرغة، وسيكون من الصعب تنفيذها إن لم يكن هناك اتفاق واضح وإجماع على تنفيذ بعض الإصلاحات ورؤية مشتركة من الحكومة ومجلس النواب من أجل قرارها.

وتخوفت المصادر من أن يفقد صندوق النقد صبره بسبب انتهاج أسلوب المماطلة وعدم إعطاء الأولوية الكافية لانقاذ المواطن اللبناني، وهنا ستكون الضربة القاضية للبنان الذي سيخسر آماله بالحصول على مساعدات مالية يحتاجها، إذ لن يكون بعدها باستطاعته الحصول على أي ورقة تفاوض مع أي جهة مانحة أخرى.

على صعيد آخر، تحتل أخبار عودة ارتفاع الدولار صدارة الأحداث المالية، بحيث تُشير المعلومات المتداولة إلى تحليق سعر صرف الدولار من جديد في السوق الموازية إلى عتبة الـ 30 ألف ليرة بعد استقرار نسبي منذ منتصف الشهر الأول من هذا العام نتيجة تدخل مصرف لبنان عبر تعميمه الرقم 161. لأسباب كثيرة يتم الترويج لصعود العملة الخضراء، أبرزها تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية على القمح والطحين وأسعار المحروقات التي تدفع بالتجار إلى شراء بضائعهم اليوم خوفاً من غدٍ مجهول، التنبؤات بوقف مصرف لبنان مفاعيل تعميمه أواخر الشهر الجاري، توقف بعض الصرافين عن بيع كميات كبيرة من الدولار يومياً، ونشر تحليلات لخبراء اقتصاديين ومصرفيين تسهم في تخدير الرأي العام، وغيرها الكثير…

وبحسب مصادر “لبنان الكبير”، فإنّ سعر صرف الدولار معرّض لأي ارتفاع قادم قد تسببه عوامل سياسية أو نقدية مفاجئة، إلا أنه لا يوجد أيّ مبرر لنشر هذه الأجواء اليوم لا سيّما أنّ مصرف لبنان لا يزال يعمل على ضخ الدولار في السوق من أجل تحسين سعر صرف الليرة عبر التعميم 161 وهي سياسة لا تزال تؤتي ثمارها وإن لوقت محدود. واعتبرت هذه المصادر أن مصرف لبنان أمام تحد كبير خاصة أنه لا يملك وفرة في العملة الأجنبية ولا يسير على خطة نقدية سليمة بل وفقاً لقدرته على التحكم بالسوق، لكن يجب عدم استباق الأمور وخلق هلع لا داعي له في الوقت الحاضر لما لذلك من تداعيات على أسعار المواد والسلع الأساسية والكهرباء. إذ يبقى الحل الوحيد لهذه الأزمات المترابطة يحمل عنواناً واحداً يتجلى في نية صافية من المسؤولين تجاه الانقاذ.

شارك المقال