فيما كانت بعثة صندوق النقد الدولي تواصل اجتماعاتها في بيروت بلقاء الهيئات الاقتصادية بعد جميعة مصارف لبنان، أصدر “بنك أوف أميركا” تقريراً قال فيه إنّ السجّل الضعيف للطبقة السياسيّة في لبنان من ناحية تطبيق الإصلاحات خلال العامين الماضيين يضع علامة استفهام حول إمكانيّة تطبيق برنامج مع صندوق النقد الدولي. وإذ لم يستبعد حصول إتفّاق على برنامج للصندوق قبيل الإنتخابات، إلّا أنّه قال إنه “عند الأخذ في الإعتبار حالات مماثلة في دول ناشئة يتكشف صعوبة حصول هكذا إتفاق إلّا إذا إستحصل صندوق النقد على ضمانات من الطبقة السياسيّة بإلتزامها هكذا برنامج بعد إنتهاء الإنتخابات”، طارحاً تحليلاً لثلاثة سيناريوات ترتكز الى النتائج المحتملة للإنتخابات النيابيّة المقبلة.
وقوّم “بنك أوف أميركا” في تقريره الذي حمل عنوان “هل أنّ سندات اليوروبوندز اللبنانيّة قابلة للإسترداد؟” مدى القدرة على إسترداد سندات اليوروبوندز اللبنانيّة تحت ثلاثة سيناريوات مستقبليّة. وهو يعتبر أنّ السؤال الأساسي يتمحور حول إمكانيّة إسترداد هذه السندات عوضاً عن القيمة القابلة للإسترداد، بحيث يستند الجواب الى هذا السؤال على رغبة الطبقة السياسيّة بتطبيق برنامج صندوق النقد الدولي.
ويعتبر “بنك أوف أميركا” أنّ إنجاز إتّفاق مع الصندوق سينعكس إيجابيّاً على السوق إلّا أنّ تطبيقه يبقى صعباً. وقد أجرى تحليلاً لثلاثة سيناريوات ترتكز الى النتائج المحتملة للإنتخابات النيابيّة المقبلة:
– يرتكز السيناريو الأوّل المسمّى “تغييراً سياسياً” والذي يتوقّع “بنك أوف أميركا” أنّ إحتماليّة حصوله ضعيفة الى حصد المعارضة والمجتمع المدني غالبيّة المقاعد في المجلس النيابي، مما سينتج عنه حكومة إصلاحيّة ستستحصل على دعم كبير من المجتمع الدولي وإبرام صفقة من صندوق النقد وتلقّي لبنان لتدفقّات نقديّة كبيرة وإرتفاع كبير في سعر الصرف الحقيقي لليرة اللبنانيّة وتعافٍ إقتصادي سريع.
– بالنسبة للسيناريو الثاني والمسمّى “إستقرار” والذي يعتبر “بنك أوف أميركا” أنّ إحتماليّة حصوله متوسّطة، فيفترض بأنّ المعارضة والمجتمع سيستحصلان فقط على أقليّة في المجلس النيابي وأنّ الطبقة السياسيّة الحاليّة ستنجز إتفاقا مع صندوق النقد الدولي قبل الإنتخابات وعدم حدوث فراغ دستوري بعد الإنتخابات. وسيقود هذا السيناريو إلى إستقرار إقتصادي إلاّ أنّ التعافي سيكون أبطأ من وتيرة التعافي في السيناريو الأوّل. بالإضافة إلى ذلك، يتوقّع “بنك أوف أميركا” إعادة جدولة كبيرة لمحفظة اليوروبوندز تحت هذا السيناريو أي بأسعار منخفضة نظراً للمديونيّة الكبيرة للحكومة والحاجة المستقبليّة للإستدانة لتمويل عمليّة إعادة الإعمار والتعافي. حسب هذا السيناريو أيضاً، لا يتوقع “بنك أوف أميركا” حصول إعادة هيكلة لليوروبوندز قبل منتصف العام 2023. وفي حال حصول فراغ سياسي فإنّ إعادة الهيكلة هذه قد لا تبدأ قبل العام 2024.
– أمّا بالنسبة للسيناريو الثالث والمسمّى “بقاء الوضع على حاله” والذي يعتبر “بنك أوف أميركا” أنّ إحتماليّة حصوله متوسّطة أيضاً، فيفترض بأنّ الطبقة السياسيّة ستتجنّب توقيع إتّفاق مع صندوق النقد، مما سيؤدّي في المستقبل القريب إلى تدهور إضافي في سعر الصرف وإلى إنكماش إقتصادي في النصف الثاني من العام 2022. على المدى المتوسّط، فإنّ هذا السيناريو يفترض أنّ الإقتصاد اللبناني لم يصل بعد إلى أدنى مستوياته وأنّه عند وصوله إلى هذه المستويات فإنّ التعافي سيكون بطيئاً مما سينتج عنه عقد ضائع على اللبنانيين. وحسب هذا السيناريو، فإنّ تحويل الودائع المعنونة بالعملة الأجنبيّة إلى الليرة سيستغرق سنوات مما سينتج عنه إرتفاع في الكتلة النقديّة وتدهور إضافي في سعر الصرف. إلّا أنّ هذا التراجع في سعر الصرف سيؤدّي إلى فائض في الميزان الجاري وتعزيز لمستوى الإحتياطيات الأجنبيّة لدى المصرف المركزي. إلاّ أنّه يبقى غير واضح ما إذا كان هذا السيناريو قابل للإستدامة إذ قد ينتج عنه إنفجار إجتماعي بالإضافة إلى إحتماليّة عدم القدرة على إسترداد اليوروبوندز.
أمّا بالنسبة لتحويل الودائع المعنونة بالعملة الأجنبيّة، فيتوقّع “بنك أوف أميركا” بأن تستغرق العمليّة ما بين 5 و10 سنوات آخذين في الإعتبار أنّ متوسّط السحوبات من الودائع بالعملة الأجنبية قد بلغ 0.8 مليار د.أ. شهريّاً خلال الفترة الممتدّة ما بين تشرين الأول 2019 وكانون الأوّل 2021.