خطوة سعودية إيجابية والعين على حكومة ميقاتي

هدى علاء الدين

يعاني اقتصاد لبنان منذ أكثر من عامين نتيجة فقدان جناحه العربي عموماً والخليجي خصوصاً بفعل ممارسات داخلية خرجت عن إطارها المتعارف عليه تاريخياً. فبعد غياب أكثر من خمسة أشهر جراء تصريحات وزير الاعلام السابق جورج قرداحي، أعلنت وزارتا الخارجية السعودية والكويتية منذ أيام عودة سفيريهما إلى لبنان، بحيث شددتا على أهمية عودة لبنان إلى عمقه العربي، وأرجعتا عودة سفيريهما إلى استجابتهما لنداءات القوى السياسية الوطنية المعتدلة ومناشداتها، وتفاعلاً مع الالتزام الذي قطعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والمتمثل في اتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون مع السعودية والكويت ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ووقف الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية كافة التي تمس دول المجلس.

اتفاق فرنسي – سعودي

وتعقيباً على خطوة عودة السفير السعودي إلى لبنان، اعتبر رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية – الخليجية إيلي رزق، أن توقيت العودة يطرح بلا شك عدة تساؤلات لدى اللبنانيين، لكن ما هو واضح أنها مرتبطة بالاتفاق الفرنسي – السعودي الذي يدعو إلى تأمين مساعدات إنسانية للبنانيين هم بأمس الحاجة إليها. ولهذا، تم الاتفاق على إنشاء صندوق مشترك فرنسي – سعودي برأسمال تبلغ قيمته 72 مليون يورو (36 مليون يورو مساهمات متساوية بين البلدين) ستذهب كمساعدات تعليمية وصحية وأمنية وعسكرية، فضلاً عن مساعدات لقطاع الكهرباء. وأمل أن يكون توقيع الاتفاقية الذي سيتم في بيروت، قبل عطلة الفطر السعيد، مشيراً إلى توقعات بأن يكون هناك حضور سعودي رسمي خلال حفل التوقيع في دلالة فرنسية وسعودية على مساعدة مباشرة للشعب اللبناني أقله على المستوى الإنساني.

الكرة في ملعب الحكومة

وعن دور لبنان اليوم للافادة من هذه العودة وكيف يمكن له استرجاع ثقة الخليج به، لفت رزق إلى “ضرورة أن تُنفذ الحكومة اللبنانية البنود التي التزم بها الرئيس ميقاتي أمام الدول العربية والخليجية، وأبرزها تحييد لبنان عن كونه ممراً للمخدرات ومنبراً للتهجم الإعلامي على قادة الخليج، وأن لا يكون مقراً لتنظيم المؤتمرات لقوى معارضة للخليج، وأن ينأى بنفسه عن التدخل في الشؤون الخارجية، وأن تبسط الدولة اللبنانية سيادتها على كل المعابر الشرعية ليُصار فعلاً إلى التماس وجود إجراءات تنفيذية تمنع تحويل لبنان إلى وجهة معادية للمملكة”، مؤكداً أن “الجميع يعرف الصدقية والصداقة التي تربط بين الرئيس ميقاتي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واليوم يُثبت ميقاتي جدية تعامله مع الملفات التي تُزعج المملكة”.

وبحسب رزق، فإن “الكرة اليوم في ملعب الحكومة لاسترجاع ثقة دول الخليج العربي لكي تتدفق الأموال والاستثمارات من جديد إلى لبنان من أجل عودة النمو الاقتصادي”، مشدداً على أن “جذب الرساميل والاستثمارات الخليجية التي يحتاجها لبنان لإعادة تكوين الرساميل والودائع في المصارف غير ممكنة من دون استرجاع الثقة التي بدورها تحتاج إلى إعادة تكوين السلطة لا سيما وأن السلطة القائمة دأبت منذ عقود على سوء الإدارة وعدم المعرفة والقدرة والرغبة”. وأشار رزق إلى وجود فريقين في لبنان، أحدهما يملك الرغبة في التغيير لكنه لا يملك القدرة، والآخر يملك القدرة على التغيير ولكن ليست لديه أي رغبة في ذلك.

مأسسة العلاقات

وعما سمعه وفد الهيئات الاقتصادية من السفير السعودي مؤخراً، لفت رزق إلى الآمال المنعقدة لجهة عودة العلاقات الطبيعية والأخوية والسياحية والاقتصادية والتجارية بين البلدين، خصوصاً وأن المملكة لا تزال تكنّ كل المحبة والاحترام والتقدير للشعب اللبناني، في حين يعتبر السعوديون أن لبنان هو بلدهم الثاني لكنهم بانتظار أن تهدأ الأمور والنفوس وأن يحضر العقل لدى بعض القوى السياسية اللبنانية، متمنياً أن لا تُسخف هذه القوى عودة السفير السعودي الى لبنان وأن لا تُقحمه في زواريب السياسة اللبنانية الضيقة. وأكد أن “المملكة ستعمل على مأسسة العلاقات بينها وبين لبنان عبر رؤية جديدة وحديثة ومتطورة، إذ ليس هناك أشخاص مقربون من المملكة، بل ستتعاطى مع لبنان عبر القوى الشرعية والممثلة للشعب اللبناني وهي ستحترم اللعبة الديموقراطية ولن تتدخل في شؤونه الدستورية أو الانتخابية على الرغم من محاولات بعض القوى إظهار السعودية وكأنها آتية على حصان أبيض لترجيح كفة هذا الفريق على الآخر. وسيكون هناك تواصل دائم ومستمر مع الهيئات الاقتصادية وبين التجار والصناعيين وكبار المصرفيين لأن السعودية مهتمة فعلاً بوضع أطر للعلاقات الاقتصادية ضمن إطارها المؤسساتي عبر اتحاد الغرف الصناعية والهيئات الاقتصادية والمؤسسات الاقتصادية الرسمية التي تُمثل القطاع الخاص، بحيث سيكون هناك حضور لافت مميز للهيئات الاقتصادية لدى توقيع الاتفاقية بين الصندوق الفرنسي والصندوق السعودي”.

وختم رزق بالقول: “الكرة الآن مجدداً في الملعب اللبناني، وانبثاق القوى الشرعية التي ستمثل الشعب اللبناني في المجلس النيابي القادم ستحدد دور لبنان المستقبلي في المنطقة، وبناءً على ما سيُحدده اللبنانيون بأنفسهم وأي لبنان يريدون ستبني المملكة العربية السعودية ودول الخليج على الشيء مقتضاه وليس العكس. وانطلاقاً من هنا، فإن هذه العودة لها خطوات وليست عودة كاملة، واليوم تنتظر السعودية خطوة لبنان للقيام بخطوتها الثانية”.

شارك المقال