أموال “الصندوق” لا تكفي وآخر الحلول “كيّ” الودائع

هدى علاء الدين

يبدو أن طريق التعافي الاقتصادي في لبنان لا يزال حلماً بعيد المنال في ظل وجود من يغلق هذا الطريق أمام الحلول الواقعية والشاملة وليست تلك الاستنسابية والمبنية على معالجات غير فاعلة، استهدفت بالدرجة الأولى إضعاف المواطن اللبناني وشطب ودائعه. فلبنان لا يزال حتى الآن يملك مفاتيح النهوض إن أراد ذلك بعيداً من الخطط الانقاذية البالية وصراعات اللجان النيابية، لكن غياب الرؤية والإرادة السياسية أضاع هذه المفاتيح وأدخله سجن الأزمات وبات رهين المفاوضات واللقاءات والاجتماعات الوزارية والنيابية التي يمكن وصفها بـ”حركة بلا بركة” بسبب نتائجها المعدومة وقراراتها المشوهة والظالمة، فكانت آخر قراراتها شطب 60 في المئة من أموال المودعين عنوة ليكون بذلك آخر الحلول “كيّ” الودائع.

مكانك راوح

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، اعتبر الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية مارون خاطر، أن لبنان، وبعد سنتين ونصف السنة من الأزمة لا يزال يراوح مكانه وسط انسداد مريب للأفق وعدم وجود أي جدية في التعامل مع الأزمة ومقاربتها بالشكل الصحيح”. وأشار إلى أنَّ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كان يجب أن تأتي ضمن سلَّة شاملة ومتكاملة تبدأ بإقرار خطة التعافي الاقتصاديَّة قبل الانطلاق إلى تطبيق الإصلاحات التي من المُفترض أن تشكِّل جزءاً لا يتجزأ منها. ومن أبرز هذه الإصلاحات إقرار وتنفيذ خطة كهرباء قابلة للحياة، إقرار “الكابيتال كونترول” (الذي بات إقراره متأخراً جداً)، إجراء التعديلات المطلوبة على قانون السرية المصرفية، إعادة هيكلة القطاع العام وغيرها. إلا أن لبنان عمد بدلاً من ذلك إلى العمل على الإصلاحات بالتجزئة قبل إقرار خطة اقتصاديَّة.

وبحسب خاطر، فإن هذه المحاولات جعلت مقاربة الملفات تتَّسم بعدم الجدّيَّة وكأن هناك عدم رغبة في الغوص في عمق الأزمة من أجل الخروج منها. في سياق متَّصل، لَفَتَ خاطر إلى أن كل ما يتم إقراره يبدو وكأنَّه تقديم أوراق اعتماد لصندوق النَّقد عبر إقرار خطوات وتدابير في الأغلب غير متناسبة مع ما يطلبه. أراد الصندوق من الحكومة وضع موازنة عامة تخفض العجز عبر زيادة النمو، فأقرت موازنة ترتكز على رفع الرسوم. كذلك بالنسبة الى قانون “الكابيتال كونترول” الذي أُقر باستعجال وبمعزل عن خطة التعافي الاقتصادية، وبالنسبة الى إجراء تعديلات على قانون السرية المصرفية أتت سيئة جداً في وقت المطلوب فيه تطبيق ما هو نافذ من قوانين تختصّ بمكافحة الفساد وتهريب الأموال.

حلول إغاثيةٌ

وشدد خاطر على أنَّ كل المحاولات للخروج من الأزمة لا تُفضي إلى نتيجة، مشيراً إلى أن هناك وقتاً ثميناً يُهدر، طارحاً علامات استفهام حول ما إذا كان صندوق النقد يشعر بالاكتفاء أو الرضا عما تُنجزه الحكومة وإذا كان هذا فعلياً ما يطلبه منها. وأبدى استغرابه من استعجال إقرار إصلاحات تتطلب عمقاً في مقاربتها، متسائلاً في هذا الإطار عن الأسباب التي تدفع الحكومة، التي سَتُعنى بتصريف الأعمال مع انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي، إلى الاصرار على إقرار الإصلاحات بالجملة ورميها في ملعبه؟.

ورأى خاطر أنه كان يجب على الحكومة السعي إلى تمويل مساعدات “إغاثية”، تساعد الشعب اللبناني على تمرير هذه المرحلة في الوقت الذي تنكبُّ فيه على إقرار خريطة طريق واضحة مع جدول زمني محدد، مؤكداً أن اللبنانيين ليس لديهم المزيد من القدرة على التحمُّل في ظل المراوحة القاتلة والإدارة السيِّئة للملفات. وأوضح أنَّ انسداد الأفق سببه ليس اقتصادياً أو مالياً وحسب، بل سياسي أيضاً لأن الأزمة اللبنانية هي في أساسها سياسيَّة.

حلٌ ظالمٌ

هناك تعاط بخفة مع الأزمة والمعلومات التي سُرّبت من خطة التعافي الاقتصادية تُظهر أن هناك مشكلة بنيويَّة في مقاربة الأزمة، قال خاطر، فالكلام عن شطب 60 في المئة من الودائع يتناغم مع الكلام الذي أحدث بلبلة حول إفلاس الدولة اللبنانية والذي أشار إلى أن الدولة لا تستطيع أن تتحمل مع المصرف المركزي الخسائر ويمهّد بالتالي إلى تحميل المودعين الجزء الأكبر منها. واعتبر أن هذا الحلّ ليس ظالماً بحق المودعين فحسب، بل إنَّه يشكِّل ضربة قاضية لمصداقية الدولة والقطاع المصرفي على حدٍّ سواء.

في هذا الإطار، رأى خاطر أن محاسبة المصارف على قراراتها الاستثمارية السيئة ضروري إلا أن المطلوب ليس “إعدام” هذا القطاع في حال أراد لبنان النهوض مجدداً، مؤكداً أن لا اقتصاد من دون مصارف. ووفقاً لخاطر، فإن من يديرون شؤون الأزمات في لبنان تنقصهم الرؤية المستقبلية للبنان الذي يطمح اليه أبناؤه. وفي ما خصَّ التفاوض مع صندوق النقد، شدد على أنَّ هذا التفاوض يجب أن يكون حقيقياً وقادراً على شرح خصوصية لبنان الاقتصادية والمالية والسياسية للخروج بحل يشبهه وأن لا تكون المقاربة مرتكزة على وصفة صندوق النقد الموحَّدة والتي يُطبقها على سائر الدول.

استعادة الثقة

وعما إذا كانت أموال صندوق النقد كافية للنهوض بالاقتصاد، لفت خاطر إلى أن ما ينتظره لبنان من الصندوق ليس الأموال التي سيمنحها له وحسب، وإنما الإصلاحات التي يطالب بها والتي فشلت الحكومات في تنفيذها على مدى سنوات. وفي حال كانت تقارير الصندوق إيجابية لناحية تطبيق هذه الإصلاحات، فإن ذلك سيساعد لبنان في استعادة ثقة المجتمع الدولي والدول المانحة ومنها الدول العربية من أجل تمويله مجدداً من دون إغفال بعض المعطيات السياسية التي قد يكون لها تأثير في عودة هذه الثقة.

وختم خاطر بالقول: “بالنتيجة إنَّ ما ننتظره من صندوق النقد لا يمكن إختصاره بالتمويل بل أن يكون الصندوق مدخلًا لاستعادة لبنان الثقة العربية والدولية مما يساعد على عودته الى الخارطة الإقتصادية مجدَّداً”.

شارك المقال