إعادة هيكلة المصارف لن تحمي أموال المودعين

هدى علاء الدين

يستحوذ مصطلح “إعادة هيكلة المصارف” على اهتمام صناع القرار والسياسات المالية والنقدية لما له من انعكاسات على مستقبل القطاع المصرفي اللبناني، خصوصاً أنه يُعد أحد المطالب الأساسية لصندوق النقد الدولي. القطاع المصرفي الذي دخل غرفة الإنعاش منذ انطلاق الأزمة عام 2019، لم يعد صموده في وجه التيارات الإنهيارية مسألة طويلة الأمد في ظل تناقص موجوداته وعدم قدرته على تلبية احتياجات المودعين ولا سيما بالعملة الخضراء. فعلى عاتق من تقع مسؤولية إعادة هيكلة القطاع المصرفي وما هي الأساليب والمعايير لذلك؟ وهل فعلاً تحمي إعادة الهيكلة ما تبقى من أموال المودعين؟ ما هو مصير الودائع في حال تم تصفية المصرف؟ وهل إعادة الهيكلة تحمّل المصارف جزءاً من الخسائر المالية، ولذلك يتم المماطلة بتنفيذها؟ ماذا يعني هذا المصطلح للمصارف؟ هل هو إنقاذ للقطاع أم إعلان إفلاسه؟ أسئلة حملها موقع “لبنان الكبير” للخبير الاقتصادي باتريك مارديني.

مسار حكومي

يقول مارديني أنه ومن منطلق قانوني لا بدّ لأي مصرف مُمتنع عن الدفع أن يخضع لإعادة الهيكلة، مشيراً إلى أنه هذه هي حال المصارف اللبنانية اليوم التي إذا ما أراد المودع أن يسحب دولاره القديم (ما يُسمى باللولار) كاش أو تحويله إلى الخارج تقف عاجزة عن ذلك، إذ كلّ ما تستطيع فعله هو منحه “شيك مصرفي” لا يمكن صرفه أو تسييله، وهذا حتماً لا يُعتبر وسيلة قانونية للدفع الأمر الذي أكّدته المحاكم الإنكليزية ومحكمة استئناف بيروت مؤخراً. وانطلاقاً من هنا، تُعتبر المصارف اللبنانية مُمتنعة ومُتخلفة عن الدفع ولذا يُفترض في هكذا وضعية أن تتم إعادة هيكلتها قانونياً عبر إعلان إفلاس المصرف بحيث تُصفى موجوداته وتوزع بين المودعين كلّ حسب حجم ودائعه، مشيراً إلى ما يُسمى بالـ Deposit Insurance أو ما يُعرف بضمان الودائع والتي يحصل بموجبها المودع على قيمة مالية يصل سقفها إلى 75 مليون ليرة، في حين أن كل مودع تتجاوز وديعته هذا المبلغ عليه أن ينتظر حتى تتم عملية تصفية المصرف وبيع موجوداته وتسكير حسابات الدولة أولاً ومن ثم توزيع المتبقي بين المودعين تبعاً لحجم ودائعهم (الذي لديه 10 في المئة من الودائع يحصل على 10 في المئة من الموجودات والذي لديه 1 في المئة منها يحصل على 1 في المئة من الموجودات وهكذا دواليك). إذاً هذا هو المسار القانوني، لكن في حال تم الأخذ به بناءً على تقديرات الحكومة، فلم يتوقع مارديني عودة أياً من الودائع ولا سيما أن قيمتها أكبر بكثير من موجودات المصارف. وعليه، فإن هذا المسار غير مربح لذا ذهبت الحكومة في الخطة مع صندوق النقد الدولي إلى تشكيل لجنة تقرر من هي المصارف التي ستبقى وتلك التي سيتم تصفيتها. وبذلك عوض أن يتم العمل بالمسار القانوني سيتم العمل بالمسار الحكومي، وهنا يجب الانتظار لمعرفة ما هي المعايير التي ستتبعها الحكومة وما إذا كانت معايير تتعلق بالملاءة أم بالسيولة متخوفاً من أن تكون معايير لها علاقة بالمحسوبيات وبتوزيع المصارف من خلال معايير سياسية (لكل زعيم سياسي مصرفه).

شطب الودائع

اعتبر مارديني أن إعادة هيكلة المصارف لن تحمي أموال المودعين، مشيراً إلى أن هذه الأموال تنقسم إلى جزءين. الأول يشمل الأموال الفريش التي لا تزال موجودة في المصرف المركزي (12 مليار دولار الاحتياطي الإلزامي)، والثاني يتضمن الأموال الورقية والتي تشمل ودائع بقيمة 100 مليار. وحسب مارديني، فإن الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان لا يزالان يصرفان من 12 مليار دولار فريش وبالتالي، فالقصة ليست أن هناك خسائر في الماضي وسيتم توزيعها اليوم، إنما استمرار هذه الخسائر في الارتفاع بسبب صرف الاحتياطي الإلزامي على سياسات غير منطقية، وهذا يعني أن إعادة الهيكلة لن تغير من هذا الواقع. ورأى مارديني أن إعادة الهيكلة ستعمل على شطب الودائع عبر ضمان أو إرجاع مبلغ مالي للمودع يصل إلى حدود الـ 100 ألف دولار على سعر صرف صيرفة، في حين أن كل ما يتجاوز هذا المبلغ سيتم تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء:

• الجزء الأول: سيتم شطبه.

• الجزء الثاني: سيُحول إلى أسهم في المصارف.

• الجزء الأخير سيُحول إلى الليرة اللبنانية على سعر صرف أدنى من سعر صرف صيرفة وعلى الأرجح أن تكون أسعار صرف متعددة.

وبهذه الطريقة سيتحمل المودعون الخسائر المالية، مكرراً أن إعادة الهيكلة لن تحمي ما تبقى من أموال المودعين بل ستشطب ورقياً جزءاً كبيراً من الودائع الدفترية. من جهة أخرى، أشار مارديني إلى أن الخطة التي وافق عليها صندوق النقد الدولي تتضمن شطب رأسمال المصارف، مما يعني أن المصارف وموجوداتها لن يمتلكها أصحابها، في حين سيوزع الجزء الأكبر بين المودعين مع الإشارة إلى أن رأسمال هذه المصارف يُعد صغيراً مقارنة بالودائع التي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار. واعتبر مارديني أن المصارف وبموجب خطة الحكومة التي سُتحملها جزءاً من الخسائر أصبحت ضد إعادة الهيكلة علماً أنها كانت سابقاً تُطالب بقانون الكابيتال كونترول لكن عندما اكتشفت أنه سيتم بعد إقرار هذا القانون شطب رأسمالها لم تعد تريده بحجة أنها تحمي أموال المودعين لكنها في الحقيقة تسعى إل حماية رأسمالها.

إعلان إفلاس

إعادة الهيكلة هو إعلان الإفلاس بطبيعة الحال يقول مارديني، ومن أجل ذلك لا بد من تنفيذه، مستبعداً أن تجعل هذه الهيكلة المصارف تنهض من جديد، لا بل ستُفقد هذه الخطوة الثقة أكثر في القطاع المصرفي، إذ لن يقوم المغتربون أو المستثمرون بإيداع أموالهم من جديد في المصارف اللبنانية. اليوم، يتم الحديث عن تخفيض كبير في عدد هذه المصارف، مما يعني الانتقال إلى سوق أكثر احتكاراً يتضمن عدداً قليلاً منها، ولن يكون هناك مانعاً من الاتفاق فيما بينها لفرض شروطها على المودعين. لا يوجد أي حديث في خطة الحكومة عن فتح القطاع المصرفي أمام المنافسة وهذا هو المعيار اليوم، مما يعني عدم تحسن هذا القطاع وستبقى معاملته مجحفة بحق المواطنين. ويبقى السؤال الأهم هل سيتم السماح لمصارف أجنبية بالعمل في لبنان ومنافسة المصارف المحلية، خصوصاً في ظل وجود قوانين وقيود قاسية جداً تُعيق ذلك.

ووفقاً لمارديني، هناك العديد من المصارف التي تُحبذ دخول الأسواق اللبنانية والعمل في الفريش دولار، وقد تكون موضع ثقة من قبل اللبنانيين على عكس المصارف المحلية التي قضت على أموالهم، معتبراً أنه في حال تم إلغاء هذه القوانين التي تمنع عمل المصارف الأجنبية في لبنان، يمكن حينها الحديث عن مستقبل ما للقطاع المصرفي في لبنان. أما في حال بقيت حكراً على المصارف اللبنانية التي ستبقى بعد عملية إعادة الهيكلة والتي يبدو أنها ستخضع للمحسوبيات والبازار السياسي فلا يرى مارديني أي مستقبل جيد له.

 

 

 

 

 

شارك المقال