الاستحقاقات الاقتصادية على نار الانتخابات النيابية

هدى علاء الدين

تسود حالة من الترقب الحذر لبنان على بعد أيام قليلة من استحقاق نيابي يُعد الأكثر استثنائية في ظل ظروف اقتصادية ومالية ومعيشية صعبة، ودوامة من الأخطار نتيجة التلكؤ في إقرار أي من الاصلاحات الرئيسة التي يضع تنفيذها البلد على سكة النهوض من جديد، ليكون بذلك تاريخ 15 أيار محط أنظار الخارج قبل الداخل لمعرفة ما ستؤول إليه نتائجها على وقع أجواء مشحونة وحملات إعلامية وخطابات طائفية يطغى عليها الطابع السياسي بعيداً من أي برنامج إقتصادي أو رؤية إصلاحية للسنوات الأربع المقبلة.

مرحلة لبنان ما بعد الانتخابات النيابية لن تُشبه ما قبلها، فالاستحقاقات الاقتصادية كثيرة وباتت تتطلب حلولاً جذرية وقرارات جريئة لن يكون بمقدور المجلس النيابي القادم والحكومة الجديدة تأجيلها كما حصل مؤخراً، وسط تطلعات الى ضرورة تحييدها عن التجاذبات السياسية التي عرقلت منذ بداية الأزمة وحتى اليوم الاتفاق على إصلاح وإقرار ما يلزم. وعليه، فإن مهمة السلطتين التشريعية والتفيذية في المرحلة المقبلة لا بد لها أن ترتكز على الملفات الاقتصادية المصيرية وجعلها أولويتها وإحداث نقلة نوعية في طريقة إدارتها، لا سيما وأن الخروج من الانهيار الكبير الذي أصاب الاقتصاد اللبناني يتطلب فترة طويلة من التعافي.

تحديات واستحقاقات بالجملة بعضها ما هو هيكلي وبنيوي يحتاجها لبنان من أجل تصحيح مساره المالي والنقدي، من توحيد سعر صرف الدولار ووقف تآكل القدرة الشرائية، وصولاً إلى إبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، مروراً بإقرار قانون “الكابيتال كونترول” وإعادة هيكلة المصارف وإقرار خطة للتعافي الاقتصادي قائمة على توزيع عادل للخسائر المالية بين الأطراف كافة، بالتوازي مع تحسين البنية الاجتماعية والأحوال المعيشية للمواطن اللبناني ودعم البرامج التعليمية والصحية، فضلاً عن إعادة الثقة المفقودة بين لبنان وكل من الداخل والخارج وخلق بيئة استثمارية تجذب الأموال العربية والدولية من جديد. يحتاج لبنان إلى حكومة فاعلة ومجلس نواب قادر على اتخاذ القرارات من دون أي تدخلات سياسية من أجل تغيير الواقع الاقتصادي القاتم. غير أن الآمال المعقودة على هذا الاستحقاق، يُخشى أن تتبدد في حال الفشل في إحداث أي تغييرات جذرية في منظومة يسيطر عليها القرار السياسي الواحد الذي أسهم في انهيار الدولة المؤسساتية ومنع إجراءات الإصلاحات الهيكلية لتخفيف التداعيات الاجتماعية والمعيشية. في المقابل، لا يرى العديد من الخبراء والمراقبين أي تغير ملحوظ قد تُحدثه نتائج الانتخابات على صعيد حلحلة الوضع الاقتصادي، خصوصاً وأن لبنان سيبقى غارقاً في التفاصيل والمزاريب السياسية الضيقة التي صبغت كل القرارات والحلول بالفشل ليطيح ذلك المقولة المتعارف عليها بأن “السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة”، بعد أن أصبحت السياسة في لبنان عاملاً أساسياً لضرب الاقتصاد بكل قطاعاته ومكوناته.

في العام 2016، عوّل وفد صندوق النقد الدولي بإيجابية على انتخاب رئيس للجمهورية، معتبراً حينها أن تشكيل حكومة جديدة بعد الاستحقاق الرئاسي وإجراء الانتخابات النيابية لاحقاً وتفعيل دور المؤسسات سيكون بمثابة رافعة أساسية للاقتصاد الوطني على المدى القصير، إلا أن هذه الإيجابية تعرّضت لأكبر انتكاسة مفتعلة بسبب رفع السلاح السياسي في وجه الاستقرار الاقتصادي، ليجد الصندوق لبنان اليوم عالقاً في متاهات السياسة واستحقاقاتها المدمرة ينتظر أملاً ولو ضئيلاً في إحداث التغيير المنشود لمواجهة التحديات القاتمة.

شارك المقال