سلامه يُشهر “اليوروبوندز” بوجه المصارف

المحرر الاقتصادي

يبدو أن الجبهة المفتوحة بين مصرف لبنان والمصارف ستشتد وطأتها من الآن فصاعداً. فكل من الفريقين اللذين باتا متخاصمين اليوم بعد سنوات طويلة من الوئام، بدأ يستخدم أسلحته لرمي المسؤولية عنه ولوم الآخر على مسؤوليته في الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة. وفي النهاية، وإن فاز فريق على الآخر، فالمودع والمواطن اللبناني هو الضحية.

منذ أيام، قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامه في تصريح يؤشر إلى طبيعة المرحلة المقبلة في العلاقة مع المصارف: “إن المصرف المركزي فتح تحقيقاً لتحديد ما إذا كانت هناك جهات داخلية مستفيدة من مسألة تخلف لبنان عن سداد ديونه، وما إذا كان بعض الأفراد جمعوا ثروة من خلال هذه العملية التي تم إبلاغهم بها مسبقاً”. وتابع: “يحاولون تحويل الخسائر إلى المصرف المركزي، لكن هناك أيضاً تحوير الانتباه لتأليب المودعين ضد مصرف لبنان الذي كان يطبّق القوانين”.

في الثامن من آذار العام 2020، أعلن لبنان تخلفه للمرة الأولى عن سداد استحقاق العاشر من الشهر نفسه لسندات يوروبوندز بقيمة 1.2 مليار دولار، وهو ما أدى إلى تخلف لبنان عن كامل سنداته السيادية الدولية وقيمتها 31.3 مليار دولار.

واضحٌ أن سلامه يوجه كلامه إلى المصارف. فهذه الأخيرة كانت تحمل الجزء الأكبر من إصدارات لبنان بالعملات الأجنبية والتي كانت تبلغ قبل نشوب الأزمة 11 مليار دولار، بحسب تقرير رسمي صادر عن جمعية مصارف لبنان في العام 2020. فيما هي اليوم، وبحسب آخر الأرقام الرسمية عن شهر نيسان 2022، تبلغ 4.5 مليارات دولار. ويحمل مصرف لبنان من جهته محفظة من سندات اليوروبوندز قيمتها 5.03 مليارات دولار.

في الفترة التي سبقت إعلان التخلف، صدر الكثير من التصريحات وحتى التقارير التي كانت تشير إلى بيع المصارف حيازاتها من سندات اليوروبوندز في الأسواق الدولية. وذكر تقرير لوكالة “رويترز” في شباط 2020، أي قبل إعلان التخلف، أن لبنان يحقق في بيع المصارف المحلية سندات دولية لمستثمرين أجانب، بما في ذلك مجموعة “أشمور” المتخصصة في الأسواق الناشئة التي تم تداول اسمها كثيراً في تلك الفترة.

كذلك نُشرت معلومات في أيلول 2019 عن أن مؤسسات مالية دولية اشترت سندات لبنانية بقيمة تتجاوز الخمسة مليارات دولار تباعاً منذ مدة، وأنها “تشتري هذه السندات من مصارف لبنانية، تعمد إلى بيعها لضمان تغذية احتياطها بالعملات الصعبة، ولإبعاد الخطر عنها في ظل شائعات متكررة عن امكان انهيار الليرة في ظل التصنيفات المالية المتكررة سلباً للبنان”.

وهنا، لا بد من التذكير بالتصريح الشهير في كانون الثاني من العام 2019 لوزير المالية في حينه علي حسن خليل بأن لبنان يعد خطة لإعادة هيكلة دينه العام، وهو ما تسبب بهلع في سوق سندات اليوروبوندز التي شهدت عمليات بيع متسارعة، بالتقاطع مع صدور تقرير لمصرف “غولدمان ساكس” رسم فيه سيناريو إعادة هيكلة الديون عبر اقتطاع 65 في المئة من قيمة السندات السيادية الدولارية، وترجيحه أن يؤدي ذلك إلى إفلاس المصارف. لكن الوزير عاد لاحقاً إلى تصويب تصريحه قائلاً إنه كان يقصد إعادة جدولة وليس هيكلة، وشتّان بين التعبيرين.

كان واضحاً منذ ذلك الحين إلى أين تتجه الأزمة في لبنان والتي دفعت بعدد لا بأس به من المصارف حاملة سندات اليوروبوندز إلى بيعها.

في أي حال، هذه معلومات يعرفها كل الناس لكثرة تداولها مع بروز الأزمة الاقتصادية إلى العلن في تشرين الأول العام 2019.

لماذا هذا الهجوم اليوم؟

تحمّل المصارف مصرف لبنان والدولة مسؤولية الخسائر المالية التي تقدّرها خطة التعافي المالي والاقتصادي بأكثر من 70 مليار دولار.

هذه الخطة التي يشوبها الكثير من المغالطات تبرئ الدولة ومصرف لبنان من تحمل مسؤولية الخسائر المالية الفادحة وتنقلها إلى القطاع المصرفي والمودعين.

“الخطة تعفي المدين الممثل بالدولة ومصرف لبنان من الدين والخسائر، وتحمّلها للدائن أي القطاع المصرفي والمودعين”، تقول مصادر مصرفية لـ”لبنان الكبير”. وتضيف أن الدولة أعطت لنفسها، من خلال الخطة، شطب ديون مستحقة عليها من دون العودة إلى حاملي دينها بسندات خزينة وغيرها من أدوات الدين الصادرة عنها. أي أنها حولّت بـ “شطبة قلم” مطلوباتها إلى خسائر يتحملها الاقتصاد بقطاعاته كافة. وتوازياً، اقتطعت وبـ”شطبة قلم” أيضاً أموال المودعين من دون الأخذ برأيهم.

وتستغرب المصادر كيف أن الدولة تنصلت من مسؤولياتها في تراكم الدين العام وهي الجهة التي كانت تنفق طيلة هذه السنوات، وكيف أنها حيّدت مصرف لبنان عن التزامات سد الفجوة الكبيرة في ميزانيته، فيما ألقت الجزء الأكبر من الخسائر على عاتق توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان وعلى أرصدة المودعين.

وتشير الى أن ما ورد في الخطة حل الترابط بين ميزانيات المصارف التجارية والديون السيادية وميزانية مصرف لبنان كاحدى الركائز في استراتيجية التعافي، لا يعني سوى شطب هذه الالتزامات. بمعنى آخر، من غير الممكن حل الترابط إلا من خلال إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف، والذي بدوره يعني إلغاء حجم مماثل من ودائع المودعين في المصارف، وكذلك شطب ديون الدولة لدى المصارف.

سنشهد أياماً حامية على جبهة مصرف لبنان – المصارف، على الرغم من أنه من غير المتوقع أن تمر خطة “شطب الديون” في مجلس النواب خصوصاً إذا عاد النائب ابراهيم كنعان إلى رئاسة لجنة المال والموازنة، وهو الذي يعارض أبرز ما جاء فيها. كما أن حزب “القوات اللبنانية” أعلن جهارة أن خطّة التعافي لن تمرّ وهي أقرت مخالفة للدستور لأنها تمس بالأملاك الخاصة أي أموال المودعين. فيما كتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعلى لسان النائب علي حسن خليل، قالت إنها لم ولن توافق على خطة التعافي المالي لأكثر من سبب، وأولها تحميلها المودعين تكلفة الانهيار.

وكانت الخطة لقيت اعتراضاً من وزراء الثنائي الشيعي ومن وزير الحزب “الاشتراكي” أثناء الموافقة عليها في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء قبل تحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال.

شارك المقال