مكتب تمثيلي لـ”الصندوق” في لبنان وسط تنامي الضغوط على خطة التعافي

المحرر الاقتصادي

تؤطر المواقف التي يعلنها تباعاً نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي يتولى ملف خطة التعافي المالي والاقتصادي والتفاوض مع صندوق النقد الدولي على أساسها، العلاقة التي ستزداد توتراً مع المصارف الرافضة للخطة كونها تحمّلها والمودعين وطأة خسائر تقدر بنحو 72 مليار دولار، وتمنح صك براءة للدولة المنفِقة أصلاً هذه الأموال.

فالشامي رفع من حدة منسوب خطابه حين قال في تصريح لـ”رويترز” إن المصارف “يجب أن تبدأ أولاً من حيث تحمل خسائر من رؤوس أموالها قبل أن نمس أي مودع”. وردّ على الدعوات الى تغيير الخطة بأن هذا الأمر “غير منطقي” نظراً إلى الدعم الذي تلقته من صندوق النقد والمجتمع الدولي.

وهذا يؤشر الى المزيد من التأزم في العلاقة في الأيام المقبلة بين حكومة تصريف الأعمال والمصارف. وعلم هنا أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مستاء من موقف المصارف ولا يريد الاجتماع راهناً بجمعية مصارف لبنان.

وفي وقت تشتد المناكفات داخلياً ويفترض أن يبدأ مجلس النواب واللجان المنبثقة عنه جلسات ماراتونية لإقرار سلة الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي كشرط لمنح لبنان قرضاً بقيمة 3 مليارات دولار، يبدو أن الصندوق أحرص على منع وقوع لبنان وعلى مواصلة المحادثات في شأن برنامج الاصلاح الاقتصادي معه. ولهذا الغرض، قرر تعيين ممثل مقيم في لبنان، على أن يجتمع مع جميع المسؤولين على أساس أسبوعي ويقدم تقريراً لواشنطن عن تطورات تطبيق الاصلاحات.

وعلم “لبنان الكبير” أن صندوق النقد عيّن فعلاً ممثلاً عنه وأنه سيكون في بيروت في الأيام العشرة المقبلة بمرافقة رئيس البعثة الى لبنان أرنستو راميريز، وأنه بصدد إعادة إنشاء مكتب لممثله المقيم هنا، وذلك بعد سنوات على آخر مكتب تمثيلي له في لبنان.

وكشفت المصادر أن الصندوق سمّى الاقتصادي فريدريكو ليما، الذي، بحسب الموقع الرسمي لصندوق النقد “عمل على مجموعة من قضايا السياسات في الأسواق الناشئة والاقتصادات منخفضة الدخل، وتتركز اهتماماته البحثية في الاقتصاد الكلي والتمويل العام”.

وكان صندوق النقد الدولي افتتح مكتباً تمثيلياً في بيروت في العام 2008 بعد انعقاد مؤتمر “باريس 3” في العام 2007 والذي جاء عقب حرب تموز 2006. وشغل إدوارد غاردنر منصب الممثل المقيم من كانون الثاني 2008 حتى آذار 2009، تلاه إريك موتو من أيلول 2009 وحتى آب 2011 تاريخ إغلاقه. ومنذ ذلك الحين، يحتفظ الصندوق بمكتب محلي برئاسة نجلاء نخلة ويستضيفه مركز المساعدة الفنية للشرق الأوسط (ميتاك).

والسؤال الجوهري هو ما مدى نجاح تمرير الخطة التي لم تصدر تصريحات مؤيدة لها من مختلف الكتل النيابية؟ وعلى المقلب الآخر، هل هناك بديل مقابل نسفها أم سيتكرر ما حصل بعد إسقاط خطة رئيس الحكومة السابق حسان دياب من دون أن تقابلها خطة أخرى كان يمكن التوصل إليها ويُجنّب لبنان هذا الاستنزاف الكبير في احتياطاته؟

فحين أعلن لبنان تخلفه عن سداد استحقاقاته من سندات اليوروبوندز في آذار 2020، كانت موجودات مصرف لبنان، متضمنة محفظته من هذه السندات (5.03 مليارات دولار كما يحددها المصرف المركزي في ميزانيته حالياً)، بقيمة 35.7 مليون دولار. فيما هي اليوم باتت تبلغ 16.02 مليار دولار لتصبح 10.99 مليارات بعد حسم محفظة اليوروبوندز. بمعنى أن الموجودات الأجنبية لدى مصرف لبنان انخفضت بواقع 19.68 مليار دولار في حوالي عامين من دون توصل الأطراف السياسية والمسؤولين عن إدارة البلاد إلى حل يفرمل تدهور لبنان ويضعه على سكة التعافي واكتفائهم بالتصويب على مصرف لبنان بوجوب عدم المس بالاحتياطي الالزامي الذي هو بالطبع أموال المودعين. وبهذا المبلغ المتبقي، وعلى افتراض أن مصرف لبنان ينفق شهرياً حوالي 300 الى 400 مليون دولار بين تدخله في منصة “صيرفة” ودعم ما تبقى من المواد والأدوية، فان هذا يرسم المسار الذي ستبلغه قريباً الاحتياطيات المتبقية لدى المصرف المركزي من دون أي حل في الأفق القريب.

وفي غضون ذلك، لا تزال المصارف تسعى الى تقليص خسائرها، في وقت يجري العمل على قدم وساق في لجنة الرقابة على المصارف لتكوين ملف عن وضعية كل مصرف والخسائر التي يسجلها والمؤونات المفترض تكوينها في مقابلها.

فقد أظهرت الأرقام أن الودائع المصرفية التي تدوّن في ميزانية المصرف في خانة المطلوبات، قد سجلت تراجعاً بواقع 46 مليار دولار منذ بداية العام 2019 وحتى آخر نيسان 2022 لتبلغ 128.2 ملياراً بين ودائع بالليرة (تبلغ قيمتها مقومة بالدولار 28.2 ملياراً) وبالدولار (99.9 ملياراً).

وفي المقابل، انخفضت التسليفات الى القطاع الخاص بوقع 34.1 مليار دولار في الفترة المذكورة لتسجل 25.3 مليار دولار في نهاية نيسان 2022.

شارك المقال