هل تعيد مجموعة العمل المالي لبنان الى “اللائحة”؟

المحرر الاقتصادي

منذ أسابيع، كشف النقاب عن زيارة مرتقبة لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينافاتف) الى بيروت لدراسة وضع لبنان على صعيد تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

وتشير مصادر مصرفية الى أن فريق المجموعة المكلف دراسة الوضع في لبنان سيطلع على الاجراءات القانونية والتنظيمية التي يتخذها لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وبالتالي تكتسب هذه الزيارة أهمية مضاعفة اليوم، فلبنان ليس على ما يرام على صعيد تطبيق الاجراءات التي تقيه من عمليات تبييض الأموال في ظل تفشي الاقتصاد النقدي أو اقتصاد الكاش وتحول المصارف عن دورها في تنمية الاقتصاد الى دور شبيه بعمل الصرافين. إذ تحول دور المصارف الى تلقي الأموال من العملاء لتحويلها الى الخارج أو من خلال عملية معاكسة، أي من الخارج الى الداخل. وهذا المسار لا يتلاءم مع الدعوات التي تطلق لاستعادة الثقة المفقودة بلبنان وبقطاعه المصرفي.

وكانت واشنطن أبدت قلقها من تسلل أموال غير معروفة المصدر إلى النظام المالي العالمي. كما أعرب وكيل وزارة الخزانة الأميركية للإرهاب والاستخبارات المالية براين نيلسون عن قلقه من تحول لبنان من نظام مالي ونقدي ومصرفي منظّم، تحت المراقبة والمجهر الدولي ويحترم كل الاتفاقات العالمية، إلى اقتصاد نقدي وهو الأخطر عالمياً كون لا ضوابط عليه.

ويتوقع أن يثير فريق “مينافاتف” وضعية وقانونية جمعية “القرض الحسن” التابعة لـ”حزب الله” التي تعمل خارج النظام المالي اللبناني.

وكان وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن قال العام الماضي: “بينما تزعم مؤسسة القرض الحسن أنها تخدم الشعب اللبناني فإنها تقوم بنقل الأموال بشكل غير قانوني من خلال حسابات وهمية”.

كل هذه المعطيات تعزز الشكوك حول وجود “اختراق” للقوانين مرعية الاجراء في مكافحة تبييض الأموال. وتتخوف المصادر المصرفية من أن يؤدي هذا الأمر إلى وضع لبنان على قائمة “الدول الرمادية” أي تلك الخاضعة للمتابعة المتزايدة.

وقائمة “الدول الرمادية” هي تلك “التي تعمل مع مجموعة العمل المالي لمعالجة أوجه القصور في أنظمة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، بحيث تتعهد هذه الدول باتباع خطة العمل المحددة للوفاء بمعالجة أوجه القصور لديها ضمن فترة زمنية متفق عليها، وتخضع لمراقبة زائدة”، بحسب التعريف الرسمي الذي تعتمده مجموعة العمل المالي.

هذا الأمر، في حال حصوله، سيجعل العمليات المالية التي تجري عبر الحدود أكثر تعقيداً مما هي عليه اليوم، فيما ستصبح علاقة المصارف اللبنانية مع ما تبقى من مصارف مراسلة شديدة الصعوبة.

يذكر أن التصنيفات التي تعتمدها “غافي” للدول هي وفق الترتيب التالي: (1) الدول عالية المخاطر وتكون مدرجة على اللائحة السوداء، (2) الدول الخاضعة للمراقبة الشديدة وتكون مدرجة على اللائحة الرمادية.

لكن فريق مجموعة العمل المالي لن يعلن أي قرار في هذا الشأن، إذ تقتصر مهمته على إعداد تقرير الى مجلس المجموعة لعرضه في اجتماعها في الخريف المقبل. ومن ثم، يتم تحضير تقرير حول الاصلاحات المطلوب تنفيذها من لبنان لتفادي إدراجه.

وهذا يعني أن هناك متسعاً من الوقت يمكن للبنان أن يستفيد منه في تطبيق القوانين الحالية وإصدار مراسيم تطبيقية حيث يجب كما هي الحال بالنسبة الى تشيكل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وإقرار التعديلات على قانون السرية المصرفية، وإقرار قانون اعادة هيكلة القطاع المصرفي بما يعيد دوره الأساس. والأهم أن يصدق لبنان مع المجتمع الدولي في نيته بلوغ اتفاق مع صندوق النقد الدولي والذي هو عبارة عن رزمة من الاتفاقات والاصلاحات التي تؤمن الشفافية والحوكمة.

و”مينافاتف” تعمل على غرار مجموعة العمل المالي (غافي أو فاتف) التي مقرها باريس. وقد أُعلن تأسيسها في 30 تشرين الثاني 2004 خلال اجتماع وزاري عقد في المنامة بالبحرين حين قررت حكومات 14 دولة عربية انشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وتم الاتفاق على أن تكون دولة المقر مملكة البحرين.

ولبنان عضو مؤسس في “مينافاتف” وترأس أول مجالسها محمد البعاصيري الذي كان أميناً عاماً لهيئة التحقيق الخاصة. ويُشهد للبعاصيري أنه ساهم في تلك الفترة في بناء علاقات مباشرة مع وزارة الخزانة الأميركية والاحتياطي الفديرالي والمصارف الأميركية الكبرى، كونها المرجعيات المعنية بغالبية التحويلات المالية والنقدية حول العالم.

كما ترأس الأمين العام الحالي لهيئة التحقيق الخاصة عبدالحفيظ منصور رئاسة المجموعة في العام 2018.

وكانت “غافي” وضعت لبنان في السادس من حزيران من العام 2000 على لائحة البلدان والأقاليم غير المتعاونة مع مكافحة تبييض الأموال لأنه لم يكن يملك تشريعات قانونية لذلك، إضافة الى وجود السرية المصرفية، التي كانت تحول دون تمكن لبنان من التحقيق في عمليات تبييض الأموال.

وفي فترة زمنية قياسية عالمياً مدتها ثلاث سنوات نجح لبنان بين 2000 و2003، في حذف اسمه من اللائحة. وبُذلت جهود حثيثة من جميع المسؤولين، لا سيما رئيس الحكومة في حينها الشهيد رفيق الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامه، باتجاه سن قانون يعنى بمكافحة تبييض الأموال. وأجرى الرئيس الحريري اتصالات مع مجموعة “غافي” من أجل تجنيب لبنان فرض عقوبات من هذه المجموعة عليه.

وفي 20 نيسان 2001 صدر القانون 318، الذي يعنى بمكافحة تبييض الأموال، وعرّف في نصوصه ماهية جريمة تبييض الأموال، وتحدث عن العقوبات التي تفرض بحق مرتكبيها وحصر رفع السرية المصرفية بهيئة التحقيق الخاصة التي أنشئت بموجب القانون نفسه.

وشهد العام 2003 تطورات مهمة في مجالات عديدة. ففي شهر تموز، قُبلت عضوية هيئة التحقيق الخاصة في مجموعة “اغمونت”، وهي وحدة الإخبار المالي. وفي 3 تشرين الأول 2003، وبعد أن قام فريق المراقبة المعني بمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط بدراسة ميدانية لنظام مكافحة تبييض الأموال في لبنان، عقدت “غافي” جلسة عامة في ستوكهولم وقررت انهاء مرحلة المراقبة عن لبنان، والتي تلي عادة حذف اسم البلد المعني من لائحة البلدان والأقاليم غير المتعاونة.

وكان إنهاء هذه المرحلة وقبول لبنان في عضوية مجموعة “أغمونت” دليلاً على متانة النظام اللبناني لمكافحة تبييض الأموال في ذلك الحين.

شارك المقال