نزيف “المركزي” مستمر والسلطة في غيبوبة

المحرر الاقتصادي

إلى متى سيبقى المسؤولون المفترضون عن إدارة هذه البلاد وشعبها في غيبوبة؟ ومتى سيستوعبون أن كل يوم يمر من دون حل يؤدي الى المزيد من تناقص ما تبقى من أموال للمودعين؟

لجنة المال والموازنة النيابية أقرت أمس مشروع قانون تعديل السرية المصرفية، وهو أحد المطالب والشروط الحاسمة التي وضعها صندوق النقد الدولي، ليرفع بعدها الى الهيئة العامة للمجلس، على الرغم من الامتعاض الواضح للمصارف اللبنانية على الصيغة التي أرسلتها الحكومة الى المجلس النيابي.

لكن تبقى مواضيع إصلاحات كثيرة عالقة أبرزها مشروع موزانة العام 2022 التي أنهت لجنة المال والموازنة درسه باستثناء مسألة توحيد سعر الصرف، بحيث لا تزال تنتظر آلية واضحة من الحكومة في هذا الصدد.

وفي وقت طالب رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان الحكومة بأن تفي بوعدها وتقدم خطياً رؤيتها لصندوق الودائع الذي كان أعلن عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمام اللجنة، برز موقف من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب يؤشر الى استمرار رفض خطة التعافي التي أقرتها الحكومة قبل أن تتحول الى حكومة تصريف أعمال، اذ قال عنها: “بعد بدا شوية شدشدة… فليس واضحاً حتى الآن كيف سيتم دفع الـ100 ألف دولار المذكورة لأصحاب الحسابات، والأهم من ذلك اللي عندو أكتر من 100 ألف دولار من أصحاب العمل الذين يشغّلون الاقتصاد اللبناني ويؤمنون فرص العمل”.

وسط هذا الغموض، لا تزال الأموال الموجودة لدى مصرف لبنان تسجل مزيداً من الشح وتنذر بأن يصل البلد الى الوضع الذي هي عليه سريلانكا اليوم. فمن هامش احتياطي كانت تملكه سريلانكا في العام 2019 بقيمة 7.5 مليارات دولار، لم يتبق اليوم سوى مليون دولار فقط، علماً أنها أعلنت تخلفها عن سداد مستحقّات ديونها الأجنبية منذ منتصف نيسان الماضي.

فالموجودات الأجنبية المتبقية في مصرف لبنان وصلت في 15 الشهر الحالي الى 10.02 مليارات دولار بعد حسم محفظته من سندات اليوروبوندز التي لا يزال المصرف المركزي يحتسبها بقيمة 5.03 مليارات دولار وفق سعر الصرف الرسمي. علماً أن سندات اليوروبوندز قد تدنت بشكل دراماتيكي في الخارج.

وهذا يعني أن ما تبقى أدنى بكثير من الاحتياطي الالزامي الذي كان يفترض عدم المس به، أي 13.8 مليار دولار، وهي القيمة التي تحتسب على أساس 14 في المئة من ودائع المصارف بالعملات الأجنبية والتي بلغت 99.2 مليار دولار حتى آخر شهر أيار 2022.

تشير أرقام مصرف لبنان الى أن هذه الموجودات قد تراجعت بواقع 224.4 مليون دولار في 15 يوماً بحسب وضعيته نصف الشهرية ليبلغ حجم التراجع منذ بداية العام وحتى 15 تموز ما قيمته 2.7 مليارا دولار. في وقت يفاوض لبنان للحصول على 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.

في المقابل، فان بند الموجودات الأخرى الذي أثار الكثير من الجدل كونه يتضمن خسائر غير مفصح عنها، قد ارتفع في 15 يوماً بما قيمته 1.87 مليار دولار. في حين بلغ حجم الارتفاع منذ نهاية العام 2021 الى اليوم ما قيمته 7.2 مليارات دولار. وبلغ هذا البند في منتصف الشهر الحالي 68.7 مليار دولار أي ما نسبته أكثر من 40 في المئة من ميزانية المصرف المركزي البالغة 167.11 مليار دولار.

وعاد النقد في التداول خارج مصرف لبنان الى الارتفاع مجدداً، بواقع 2229 مليار ليرة (1.5 مليار دولار حسب سعر الصرف الرسمي) في 15 يوماً بعدما كان شهد تراجعات كبيرة في الأشهر الماضية نتيجة التعاميم التي أصدرها المصرف المركزي من أجل احتواء حجم السيولة في السوق.

وفي المقابل، سجل انخفاض في قيمة الذهب المملوك من المصرف المركزي، نتيجة انخفاض أسعار الذهب عالميّاً. وبالأرقام، باتت هذه المحفظة تبلغ 15.7 مليار دولار في منتصف تموز من 16.7 مليار دولار في بدايته.

كل هذا التدهور فيما الحكومة لم تشكل بعد لتضع الأزمة المركبة التي يعانيها لبنان على سكة الحل الجذري، ولتنقذ ما تبقى من أحلام لدى اللبنانيين بغد أفضل.

شارك المقال