المصارف المركزية… بين مطرقة التضخم وسندان النمو

ميرنا سرور
ميرنا سرور

ترزح إقتصادات العالم بمعظمها تحت عبء التضخم، إذ ساهمت السياسات النقدية المعتمدة لمواجهة جائحة كورونا على مدى الأشهر الماضية في ارتفاع معدلاته، تلتها الحرب الروسية – الأوكرانية وتأثيرها على ملفي الغذاء والطاقة. بدوره، يعيش الإقتصاد الأميركي حالةً من الضبابية، إذ اعتبر رئيس الإحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن من الصعب توقع حالة الاقتصاد في الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة. كما أكد أن بيانات التضخم الأخيرة كانت أسوأ من المتوقع، وأن النمو الاقتصادي سيتباطأ هذا العام. وأبرز ما أعلنه باول كان رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، باعتبار أن “الخطر الأكبر على الاقتصاد سيكون التضخم المستمر، وليس الانكماش الاقتصادي” حسب تعبيره.

الخليج على خطى الفديرالي… سبقتهما أوروبا

لم تكن الولايات المتحدة وحيدة على خط رفع معدلات الفائدة، فعلى بعد ساعات جاء إعلان عدد من المصارف المركزية الخليجية، ومن بينها السعودية والإمارات وسلطنة عمان وقطر والبحرين والكويت، رفع معدلات الفائدة، وقد سبقها الى ذلك المصرف المركزي الأوروبي، الذي أعلن قبل أسبوع رفع الفائدة بمعدل 50 نقطة أساس.

فقد قرر البنك المركزي السعودي رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء “الريبو” بمقدار 75 نقطة أساس من 2.25 إلى 3 بالمئة، كذلك رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس “الريبو العكسي” بمقدار 75 نقطة أساس من 1.75 بالمئة إلى 2.5 بالمئة. بدوره، أعلن مصرف الامارات المركزي رفع سعر الأساس على تسهيلات الإيداع لليلة واحدة بـ 75 نقطة أساس، في حين قرر الإبقاء على السعر الذي ينطبق على اقتراض سيولة قصيرة الأجل من المصرف المركزي من خلال التسهيلات الائتمانية كافة القائمة عند 50 نقطة أساس فوق سعر الأساس.

متى ولماذا تلجأ السلطات النقدية الى رفع معدلات الفائدة؟

يعتبر رفع معدلات الفائدة إجراء نقدياً طارئاً تلجأ إليه السلطات النقدية لكبح جماح الطلب على الاستهلاك الذي يرفع بدوره معدلات التضخم. يؤدي رفع معدلات الفائدة الى زيادة عبء القروض الجديدة والقائمة، الأمر الذي يدفع باتجاه التراجع عن الاقتراض، وبالتالي تقليص حجم السيولة النقدية داخل السوق لإبطاء الاستهلاك، وهي أولى الطرق لخفض التضخم.

من جهة أخرى، يحفّز رفع معدلات الفائدة الأفراد على الإيداع، فيدفع بالسيولة للانتقال الى المصارف، وبالتالي يقلص من حجم الكتلة النقدية داخل الاقتصاد أيضاً.

يٌشار الى أن معظم الدول اعتمد سياسة “المال السهل” في مواجهة جائحة كورونا خوفاً من الركود، ومن أبرز أوجه هذه السياسة خفض معدلات الفائدة لزيادة حجم الكتلة النقدية وتحفيز الطلب على الاستهلاك.

كيف يتأثر النمو؟

تعيش البنوك المركزية مقايضات حادة بين النمو والتضخم، فهي مجبرةٌ على اتباع سياسات نقدية انكماشية، ولذلك آثاره السلبية المباشرة على حجم المداخيل المحلية الإجمالية ومعدلات النمو. وفي هذا الإطار، خفض صندوق النقد الدولي في تقرير صدر خلال الأيام القليلة الماضية توقعاته للاقتصاد العالمي للسنتين الحالية والمقبلة على وقع ارتفاع معدلات التضخم والتباطؤ الشديد في الولايات المتحدة والصين، محذّراً الثلاثاء من أن الوضع قد يتدهور.

وقال كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي بيير- أوليفييه غورينشا: “باتت التوقعات أكثر قتامة بكثير منذ نيسان/أبريل. قد يكون العالم يقترب من حافة ركود عالمي، بعد عامين فقط من آخر ركود”.

الشرق الأوسط مخالفاً.. والسعودية الأسرع نمواً عالمياً

وفي حين خفض توقعاته للنمو العالمي، جاءت تقديرات الصندوق لنمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا مخالفةً، بحيث رُفعت إلى 4.8% خلال 2022، مقارنة بنسبة نمو 4.6% في توقعاته السابقة، فيما خفض توقعاته للعام 2023 إلى 3.5% مقارنة بنسبة 3.7% في توقعاته السابقة.

إلى ذلك، توقع الصندوق أن يُسجل الاقتصاد السعودي نسبة نمو تصل إلى 7.6 في المائة هذا العام، وهي النسبة الأعلى بين جميع اقتصادات العالم التي تشمل الاقتصادات المتقدمة والنامية واقتصادات الأسواق الصاعدة، كما رفع توقعاته للنمو في 2023 إلى 3.7%، بزيادة 0.1 نقطة مئوية عن توقعات نيسان الماضي التي كانت 3.6%.

يعيش الاقتصاد العالمي اليوم حالة ترقب بانتظار ما ستؤول إليه التطورات الأمنية والسياسية والصحية، إضافة الى التطورات الاقتصادية والنقدية في الاقتصادات الثلاثة الأكبر في العالم: الولايات المتحدة، الصين، ومنطقة اليورو، فهل ستؤدي بنا الصدمات المتتالية الى حالة من الركود التضخمي بما لذلك من تداعيات مأساوية على العالم ككل؟

شارك المقال