نسخة بو صعب لـ “الكابيتال كونترول”… أين حقوق المودعين؟

المحرر الاقتصادي

يعود مشروع فرض قيود على التحويلات المالية أو ما يعرف بـ “الكابيتال كونترول” الى اللجان النيابية المشتركة بعدما أخذ نائب رئيس المجلس الياس بو صعب هذا الملف على عاتقه، فعقد العديد من الاجتماعات والنقاشات مع المتخصصين والخبراء والمصرفيين والأكاديميين للتوصل الى نسخة جديدة تكون مقبولة من الجميع ويمكن تمريرها كي لا يكون مصيرها مشابهاً لمشاريع سابقة أُعدت وتم رميها.

بناء على نتائج الاجتماعات التي عقدت، وجّه بو صعب إلى النواب، في السادس والعشرين من الجاري كتاباً ضمّنه التعديلات مقترحة على المشروع والتي اعتبر أنها ملخّص نقاشات الخبراء والمتخصصين. واستبعد إقرار المشروع في جلسة واحدة، قائلاً في تصريح: “إن الصّيغة الأصليّة كما تلك التي تحمل ملاحظات من اجتمعت معهم، بحاجة إلى إدخال تعديلات عليها، كي تحفظ حقوق المودعين بصورة واضحة”. وأشار إلى أنّه “لم يتبنَّ أيّ وجهة نظر، بل ركّز عمله على جمع وجهات النّظر المختلفة، بهدف توفير الوقت وتسهيل العمل”.

الواضح أن التباين لا يزال واسعاً، وأن كل المشاورات التي حصلت فشلت في تقريب وجهات النظر، في وقت يتخوف العديد من الخبراء من تفخيخ المشروع وتمريره على غرار ما حصل في مسألة إقرار تعديلات للسرية المصرفية بحيث أدخلت تعديلات لمصلحة القطاع المصرفي.

وكانت جلسة اللجان النيابية المشتركة المخصصة لبحث المشروع حددت في 26 نيسان الماضي لكنها طارت بعدما توقف مشوار المشروع عند أبواب المجلس النيابي في 20 نيسان نتيجة تكتّل الشارع ومعظم القوى النيابية ضده، فارضين أمراً واقعاً حال دون عقد الجلسة. وكان مجلس الوزراء وافق في 30 آذار الماضي، على أحدث صيغة لمشروع “الكابيتال كونترول” بعد إدخال تعديلات عليها، وهذه الصيغة رفضها وزراء الثنائي الشيعي وسجلوا اعتراضهم عليها. وفي 7 نيسان، وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون صيغة الحكومة وأحالها على مجلس النواب.

تقول مصادر حضرت إحدى النقاشات الطويلة مع بو صعب، إنه كان يفترض إقرار المشروع فور اندلاع الأزمة الاقتصادية في تشرين الأول من العام 2019، لمنع تدفق التحويلات بطريقة استنسابية الى الخارج. وتشرح أن إقرار “الكابيتال كونترول” هو مطلب حيوي بالنسبة الى المصارف لحماية نفسها من الدعاوى القضائية التي ترفع ضدها.

وتشير في المقابل، إلى أن الصيغة المطروحة لا تلبي طموحات اللبنانيين في الحصول على ودائعهم في يوم من الأيام، لاسيما وأنه ألغيت عبارة صريحة من مشروع الحكومة الذي يشير الى أن الغاية منه هي “حماية المودعين” (اضافة الى أهداف أخرى) من خلال الحفاظ على ما تبقى من أصول بالعملات الأجنبية في القطاع المصرفي. فيما اكتفت النسخة الراهنة بالاشارة إلى وجوب وضع ضوابط على الحوالات والسحوبات النقدية.

وطال التعديل الأخير أيضاً نقطة مركزية كانت أثارت جدلاً في السابق وهي تلك المتعلقة بانشاء لجنة ذات صلاحيات اتخاذ القرار في شأن التحويلات. المشروع الحكوميّ نصّ على أن تكون اللجنة مؤلفة من وزير المالية وحاكم مصرف لبنان وخبيرين اقتصاديين وقاض من الدرجة 18 وما فوق يختارهم رئيس مجلس الوزراء، ويمكن لها أن تستعين بمن تراه مناسباً من أهل الاختصاص. فيما الاقتراح الحالي أن تتألف من المجلس المركزي في مصرف لبنان، وخبيرين اقتصاديين يختارهما مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية.

كما ألغي السقف الذي حدده مشروع الحكومة في السحوبات (سحب بما قيمته ألف دولار شهرياً). في المقابل، سيطلب من مصرف لبنان أن يحدد المبلغ الذي يمكن للمصارف سداده شهرياً الى زبائنها.

وتثير مسألة الدولار “الفريش” واستثنائه من المشروع جدلاً. فمنهم من يرى أن هذا الأمر ضروري حتى لا تقيد الحركة الاقتصادية بصورة كبيرة، ومنهم من يعتبر أن صندوق النقد الدولي لن يوافق على استثناء “الفريش” فيما لبنان يعاني أزمات نقدية واقتصادية وعجزاً في الميزان التجاري ونقصاً في احتياطات العملات الأجنبية.

وتشرح المصادر أن صندوق النقد الدولي الذي يطالب بإقرار “الكابيتال كونترول”، لم يضع هذا الملف في سلم الأولويات التي حددها للبنان كي يصل معه الى اتفاق نهائي يمنحه بموجبه 3 مليارات دولار على أربع سنوات. فالصندوق أعلن في بيانه الصادر في نيسان الماضي بعد توقيع اتفاق على مستوى الموظفين مع لبنان، أنه يفترض أن تقوم خطة السلطات اللبنانية على خمس ركائز أساسية:

  • إعادة هيكلة القطاع المالي لكي تستعيد المصارف مقومات الاستمرار وقدرتها على تخصيص الموارد بكفاءة لدعم التعافي؛
  • تنفيذ إصلاحات مالية تضمن، مع إعادة الهيكلة المقترحة للدين العام الخارجي، بقاء الدين في حدود مستدامة وخلق حيز للاستثمار في الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار والبنية التحتية؛
  • إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، ولا سيما قطاع الطاقة، لتقديم خدمات ذات جودة من دون استنزاف الموارد العامة؛
  • تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد ومكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب بغية تدعيم الشفافية والمساءلة، بما في ذلك عن طريق تحديث الإطار القانوني لمصرف لبنان وترتيبات الحوكمة والمساءلة؛
  • إقامة نظام للنقد والصرف يتسم بالموثوقية والشفافية.

وهذا يعني أن “الكابيتال كونترول” لم يعد من أولوية الأولويات – مع أن الصندوق يصر دائماً على إقراره، وإصراره هذا مرتكز على أنه لا يمكنه أن يمنح تمويلاً للبنان ثم يجد هذه الأموال تتسرّب إلى الخارج بحظوة النافذين – وأن الأولوية هي لاعادة هيكلة المصارف التي يفترض أن تنطلق بعد الاتفاق حول كيفية التعامل مع الودائع والخسائر المالية.

وبالنسبة الى المصادر نفسها، فان المشروع بصيغته الراهنة يعوق اعادة إطلاق عجلة النمو. فلبنان يحتاج الى الاستثمارات لاستعادة عافيته الاقتصادية، فيما هذا المشروع يعوق حرية حركة الرساميل التي كان يضمنها نظام الاقتصاد الحر المنفتح ويقيّد رؤوس الأموال المستثمرة في لبنان. وبالتالي، فان جذب المستثمرين سيكون مستحيلاً في ظل تدابير تمنعهم من إخراج عائدات استثماراتهم.

وتقول: “عملياً، يوجد كابيتال كونترول، بحيث يستحيل على أي مودع أن يجري تحويلاً من وديعته إلى الخارج. وقد وضعت ضوابط وقيود على السحوبات والتحاويل بصورة استثنائية منذ عامين من دون مسوغ قانوني”.

اشارة الى أنه قبل أيام، فنّد نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي في بيان ضرورات إقرار “الكابيتال كونترول”، فقال انه بعد تأخر لبنان نحو 3 سنوات عن إقرار هذا القانون، لا تزال هناك حاجة الى إقراره لأسباب عديدة، “من أجل حماية ما تبقى من الاحتياطيات بالعملة الأجنبية ولتحسين وضع ميزان المدفوعات”.

أضاف: “إن وجود قيود على التحاويل سيخفض الاستيراد وبالتالي سيقلّ الضغط على سعر الصرف، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع سياسات مُكملة، ومن ضمنها سياسات مالية ونقدية مناسبة وسعر صرف موحد ومتحرك يعكس حالة السوق”.

شارك المقال