غبريل لـ”لبنان الكبير”: “الكابيتال كونترول” ضرورة للحفاظ على احتياطي “المركزي”

فدى مكداشي
فدى مكداشي

قانون “الكابيتال كونترول” الذي جمّد في جلسة اللجان المشتركة هو حلقة جديدة من حلقات التآمر على المودعين. فهذا القانون لو صدر بعد الأزمة المصرفية التي بدأت في تشرين الأول عام ٢٠١٩ كما حصل في بلدان أخرى تعرّضت للمشكلة نفسها التي تعرّض لها القطاع المصرفي (كقبرص واليونان)، لكان الوضع مختلفاً جداً ومنع أصحاب الرساميل الكبرى ورؤساء مجالس الادارات في بعض المصارف من تهريب أموالهم الى الخارج، وأيضاً ساهم في حلحلة المشكلات بين المودع والمصرف. إذ أن عدم صدور هذا القانون أدى الى انهيار الثقة أولاً بين المصارف والمودعين، وثانياً بين القطاع المصرفي والمؤسسات المالية العالمية خصوصاً بعد الاذلال الذي تعرّض له المودع الأجنبي والعربي واللبناني بسبب افتقاد الصيغة القانونيّة لـ”الكابيتال كونترول” التي تحكم بين كل الأطراف.

والمحزن أن بعض النواب التغييريين عن قصد أو غير قصد باتوا يتصرّفون مثل النواب القدامى المتهمين، إذ أن بياناتهم مع “رابطة المودعين”، التي من غير المعروف من هي الجهة التي تحرّكها، لم تقدّم أي حل للأزمة منذ اشتعالها، بل زادت المشكلة تعقيداً من خلال تحركات وكلام شعبوي يفتقر الى رؤية واضحة وعلميّة تحلها جذرياً.

وفي السياق، يوضح كبير الاقتصاديين في مجموعة “بنك بيبلوس” الدكتور نسيب غبريل أن “اقرار اجراءات الكابيتال كونترول الرسمية من خلال القانون هو من الاجراءات البديهية في الأزمة الناتجة عن شح السيولة في العملات الأجنبية نتيجة تراجع حاد في تدفق الأموال من الخارج”، معتبراً أن هذا القانون “كان يجب اقراره في تشرين الأول من العام ٢٠١٩ عندما ظهر سوق مواز لسعر صرف الدولار لأول مرة منذ ٢٧ سنة. واليوم بعد ثلاث سنوات لم يقر هذا الاجراء علماً أنه يهدف الى تنظيم التحاويل للخارج من خلال منعها رسمياً وإعطاء أذون لبعض الاستثناءات وتنظيم السحوبات في الداخل أيضاً”.

ويشير الى أن “هذا لا يتعلق بصورة مباشرة بالودائع، والكلام حول ارتباطه بمصير الودائع في المصارف التجارية مضلل فهو لا يهدف الى حل مشكلات المصارف مع المودعين، ولكن هدفه فقط تنظيم السحوبات من الداخل والتحاويل من الخارج، والهدف الأهم هو أنه من ضمن أحد الإجراءات المطلوبة لتوحيد سعر الصرف التي وضعها صندوق النقد للتوقيع على قرض الـ ٣ مليارات دولار الى لبنان. وفي حال سرنا بالعملية الإصلاحية هناك قروض أخرى من مؤسسات مالية متعددة الأطراف تريد أن تتأكد أن القروض ستذهب الى أهدافها المعلنة ولن يحوّل أي جزء منها الى الخارج”.

ويؤكد غبريل “ضرورة أن يأتي هذا القانون ضمن رؤية اقتصادية شاملة تهدف الى تحديد هويّة لبنان الاقتصادية والتأكيد على أن القطاع الخاص والمبادرة الفردية هما العمود الفقري للاقتصاد، وأن القطاع العام مكمّل للقطاع الخاص كما أن لبنان اقتصاده منفتح على العالم وتحديداً الدول العربية”، مشدداً على أن “الكابيتال كونترول هو جزء من الحل للنهوض من الأزمة وإقراره مفيد وضروري. أما بالنسبة الى إعادة هيكلة القطاع المصرفي فتحتاج الى وقت ودقة والى قانون”. ويلفت الى أن “مشروع الكابيتال كونترول لا يجب أن يرتبط بموضوع هيكلة المصارف أو توحيد سعر الصرف أو موازنة ٢٠٢٢ وكل الشروط الأوليّة لصندوق النقد”، معتبراً أنه “كلما أسرعنا في اقرارها نبعث اشارات إيجابية بأن هناك جدية في خروج اقتصاد لبنان من الأزمة ويجب أن يتم تطبيق هذه الاجراءات بصورة فورية والتوصل الى الانتهاء من دراسة القوانين”.

وعن إعادة هيكلة المصارف، يرى غبريل أن ذلك “يحتاج الى خطة منفصلة والى مشروع قانون يوزع على الفرقاء المعنيين وخصوصاً القطاع المصرفي الذي يجهل مضمون هذا المشروع، وأن يكون التعاطي علمياً ومنظماً من أجل إقناع القطاع الخاص والمجتمع الدولي وصندوق النقد بأن هناك جدية محلية لتطبيق الاصلاحات واعادة لبنان الى النظام المالي والمصرفي والتجاري العالمي، لا سيما أن لبنان بعدما تعثّر عن سداد اليوروبوندز أصبح على هامش النظام المصرفي والمالي العالمي، إضافة الى أن كل هذه الاجراءات تهدف الى اعادة الثقة، ولذلك يجب أن تقترن بأولويات توسيع حجم الاقتصاد والنمو وتحسين المناخ الاستثماري وبيئة الأعمال وإعادة تأهيل البنى التحتية”.

أما الاجراءات المسبقة لصندوق النقد التي اتفق عليها مع الدولة اللبنانية، فيوضح أن ” ٨ – ٩ منها تستهدف القطاع المصرفي”، متسائلاً “لماذا لا توجد أي إجراءات مسبقة تتعلق بقطاع الكهرباء الذي هو السبب الأساس للأزمة والذي صُرف عليه ٤٥ مليار دولار منذ العام ١٩٩٣ونحن نعرف واقع القطاع؟ ولماذا لا توجد معالجة للوظائف الوهمية في القطاع العام؟ ولماذا لا توجد اجراءات مسبقة تتعلق بإعادة إعمار مرفأ بيروت؟”. ويقول: “هذه كلها ترسل اشارات إيجابية الى الخارج لذا لا توجد أولوية لاقرار أي قانون قبل الآخر، ولكن تبقى اعادة هيكلة المصارف بحاجة الى وقت وهذا ملف حساس يتطلب المزيد من الدقة والجهد، ولذلك من الأسهل إقرار الاجراءات الأخرى، والمنحى الذي يأخذه مشروع الكابيتال كونترول ليس في مكانه ويخضع للشعبوية والمزايدات، وللأسف فليس من مهمته إبراء ذمة المصارف ولا تحديد مصير الودائع بل أهدافه كما ذكرت محددة وهذا ما يجب التركيز عليه. أما السبب الأساس والرئيس لإقرار قانون الكابيتال كونترول فهو الحفاظ على احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية وعلى ما تبقى من سيولة للمصارف التجارية التي هي موجودة في المصارف المراسلة في الخارج”.

شارك المقال