الاقتصاد اللبناني نحو الدولرة المدمرة

محمد شمس الدين

ادفع كل فواتيرك بالدولار، هذا ما يحصل اليوم في لبنان، الاقتصاد اللبناني متجه إلى الدولرة، فاتورة المولد، المحروقات، الخدمات، كلها أصبحت تحسب على الدولار، والدولة تغض النظر، على الرغم من المخالفة الصارخة للقانون، الذي يفرض التداول بالعملة الوطنية، بل أكثر من ذلك شرّعت الدولة التسعير بالدولار في المرافق السياحية، والمواطن المقيم في البلد هو الضحية، فلا يزال راتبه بالليرة، بل ان الكثيرين لا تزال معاشاتهم وفق الحد الأدنى للأجور على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية.

عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال رأى في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “الدولرة حتمية، فالعملة الوطنية فقدت قيمتها، وبين لحظة وأخرى يتغير سعر الصرف، وأي قطاع اليوم عندما يسعر يحسب على السعر أكثر من سعر الصرف كي لا يتعرض للخسارة”، لافتاً الى أن “القانون اللبناني واضح لجهة التسعير والتداول بالليرة، ولكن الدولة اليوم في ظل عدم قدرتها على الحفاظ على نقدها الوطني، اتجهت الى مخالفة القانون، مثلما حصل في ملف الاتصالات، واحتسابها وفق سعر صيرفة المتحرك وغير الثابت، مما يعني أن الدولة تحاول الحفاظ على قطاعاتها المنتجة، عبر الدولرة، وهي حاولت حتى إقرار الدولار الجمركي لكنه لم يمر، إلا أن مصيره أن يقر، لأن الدولة بحاجة إلى إيرادات”.

واعتبر رمال أن السبب في الحال الذي وصل إليه البلد هو جماد القوانين، موضحاً أنه “لو كانت القوانين متحركة وسريعة، وراعت الأزمة، لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فالآن نحن في دوامة، وحتى لو أقرت الدولة الزيادات للقطاع العام، فهذه الزيادات تتآكل وبصورة أسرع من وقت إقرارها، اذ بمجرد إقرارها وقبل نشرها في الجريدة الرسمية، تتآكل، بل إنها تدق) بالجزء الباقي من راتب الموظف، وهذا يعني أن الأزمة أسرع من أخذ القرار، كون القرارات التي تسعى إليها الدولة، تنهشها البيروقراطية، ويتم أخذها بطريقة عشوائية، فلو كنا منذ البداية اتخذنا الاجراءات اللازمة، لما وصلنا الى ما وصلنا إليه، ونحن شهود على أن بعض القوانين التي كان يجب إقرارها منذ اللحظة الأولى لم تقر حتى اليوم”.

أضاف: “الدولة بطيئة جداً، والشاهد على ذلك، الأزمة التي يعيشها القطاع العام، بحيث لم يعد بمقدور الموظف الذهاب إلى عمله، بسبب ارتفاع كلفة النقل، بينما القطاع الخاص استطاع إعادة الهيكلة بسرعة، من أجل الاستمرار في العمل، ولا بد من لفت النظر الى أنه إذا انهار القطاع الخاص، يكون وجود لبنان كله في خطر، وتحديداً أن إيرادات الدولة في لبنان تعتمد بصورة كاملة على هذا القطاع”.

اما المتخصص في الديون المتعثرة الخبير الاقتصادي أحمد قاسم فاعتبر أن الدولرة ستؤدي الى ارتفاع الدولار مقابل الليرة، لأن الطلب على الدولار عندها سيزيد، لافتاً الى أن “الدولار في لبنان عادة ما يتم الحصول عليه عبر المودعين، الذين لا يودعون اليوم في المصارف اللبنانية، أو عبر الإنتاج والتصدير، الذي يكاد لا يذكر، أو عبر التحويلات من المغتربين، الذين يحولون الى ذويهم عبر الشركات، ولكن اليوم هم يحوّلون لهم قدر حاجتهم لا أكثر، وهذا نتيجته ستكون كارثة كبيرة، وسيزيد الفقر ويتفشى”.

وحذر الباحث السياسي والاقتصادي نبيل سرور من أن انعكاسات الدولرة خطيرة جداً على الاقتصاد اللبناني، خصوصاً على المواطن، الذي لا يستطيع تحمل الأعباء اليوم، وقال: “يمكن قراءة تبعيات الدولرة على مستوى القدرة الشرائية لدى المواطن، وتحكم التجار وأصحاب المولدات به، في ظل غياب أجهزة رقابة الدولة، فالتعاونيات اليوم تعيش فوضى التسعير، بحيث يتبدل السعر في النهار نفسه مرات عدة”.

واستغرب سرور كيف أن بعض موظفي الدولة اليوم يقبضون رواتبهم بالدولار عبر “صيرفة”، مشيراً الى أن لا دولة تحترم نفسها في العالم تقبل بذلك. وأكد “أننا نعيش حالة فوضى اقتصادية مستفحلة، يتحكم بها أصحاب الرساميل الكبيرة، في ظل غياب الدولة عن المعاناة، هذه الدولرة ستضرب كل شيء، وستضعف العملة الوطنية، وأظن أن نسب الفقر ستزداد بصورة كبيرة في الفترة المقبلة، اذ أننا نعيش أسوأ أزمة في التاريخ، لقد أصبحنا أسوأ من فنزويلا واليونان، ويبدو أن الناس يئست من الحلول، ولكن من المؤكد أن كل هذه التراكمات ستنفجر في مكان ما”.

الدولة الفاشلة دمرت عملتها الوطنية، ودفعت اقتصادها نحو الدولرة، الذي ستكون آثاره كارثية على المواطن، فهو مضطر لدفع كل شيء بالدولار، وقد يصل يوماً الى أن يدفع حتى أجرة تنقلاته بالعملة الصعبة، وتحديداً مع اتجاه المحطات وشركات المحروقات إلى فرض الدفع بالدولار، ومن أين يأتي بهذا الدولار في ظل إنتاج لا يذكر، وشلل في مؤسسات الدولة ودمار القطاع المصرفي؟ هل يتم الاعتماد على تحويلات المغتربين فقط؟ وماذا عن الأزمة العالمية اليوم؟ ألن تؤثر في هذه التحويلات؟ طربوش هنا، طربوش هناك، هكذا هي سياسة الدولة اللبنانية منذ عقود، وبدل التنازل والعمل نحو الحلول، تتناتش القوى السياسية ما تبقى من هياكل هذا البلد، بل إن هناك من يريد أن يخرب البلد من أجل البقاء في السلطة!

شارك المقال