أزمات لبنان تخنق حريته الاقتصادية

هدى علاء الدين

تستند الحرية الاقتصادية أو ما يعرف بالـ Economic Freedom الى مفهوم الملكية الذاتية التي بموجبها يحق للأفراد اتخاذ الإجراءات الاقتصادية الخاصة بهم، وهي تأخذ طابعاً سياسياً واقتصادياً ويندرج في إطار الحريات والحقوق، بحيث ترتب الدول ومن خلال المؤشر الخاص بها، في قائمة هذا المؤشر للتعبير عن أقوى الدول اقتصادياً، فكلما تمتعت دولة ما بجملة واسعة من هذه الحريات كلما ارتفع مؤشر الحرية الاقتصادية لديها. فأين لبنان اليوم من الحرية الاقتصادية؟

أظهر تقرير “الحريّة الاقتصاديّة في العالم للعام 2022″، احتلال لبنان المركز 154 من أصل 165 دولة، وذلك بحسب مؤشر الحرية الاقتصادية الذي يقيس درجة دعم سياسات البلدان ومؤسساتها للحرية الاقتصادية في خمسة مجالات رئيسة هي كالتالي:

  • حجم الحكومة: مع زيادة الإنفاق الحكومي والضرائب والشركات التي تسيطر عليها الحكومة، يستبدل صنع القرار الحكومي بالقرارات الفردية مقابل تدني معدل الحرية الاقتصادية.

  • النظام القانوني وحقوق الملكية: تعد حماية الأشخاص وممتلكاتهم المكتسبة بصورة شرعية مكوناً أساسياً لكل من الحرية الاقتصادية والمجتمع المدني، لا سيما وأنها من أهم الوظائف للحكومة.

  • المال السليم: يؤدي التضخم إلى تآكل قيمة الأجور والمدخرات المكتسبة بطريقة مشروعة. لذا، فإن المال السليم ضروري لحماية حقوق الملكية، خصوصاً وأن التضخم عندما يكون مرتفعاً ومتقلباً في الوقت نفسه، يصبح من الصعب على الأفراد التخطيط للمستقبل وبالتالي استخدام الحرية الاقتصادية بصورة فاعلة.

  • حرية التجارة الدولية: تُعدّ حرية التبادل بمعناها الأوسع والذي يشمل الشراء والبيع وإبرام العقود وما إلى ذلك، ضرورية للحرية الاقتصادية والتي تتناقص عندما لا تشمل حرية التبادل الشركات والأفراد في الدول الأخرى.

  • النظام: لا تستخدم الحكومات عدداً من الأدوات لتقييد الحق في التبادل الدولي فحسب، بل قد تفرض أيضاً لوائح مرهقة تحد من الحق في التبادل أو الحصول على الائتمان أو التوظيف أو العمل لمن يرغب في ذلك.

وقد حصد لبنان في المجال الأول (حجم الحكومة: الاستهلاك الحكومي، التحويلات والاعانات، الاستثمار الحكومي، معدل الضريبة، وملكية الدولة للأصول) 8.22 نقطة، وفي المجال الثاني (النظام القانوني وحقوق الملكية: استقلال القضاء، محاكم نزيهة، حماية حقوق الملكية، التدخل العسكري في سيادة القانون والسياسة، نزاهة النظام القانوني، التنفيذ القانوني للعقود، القيود التنظيمية على بيع العقارات، مصداقية الشرطة) 4.14 نقطة. أما في المجال الثالث (المال السليم: نمو المال، الانحراف المعياري للتضخم، معدل التضخم في آخر سنة، حرية امتلاك حسابات مصرفية بالعملة الأجنبية)، فقد نال 4.97 نقطة، في حين حقق في المجال الرابع (حرية التجارة الدولية: الرسوم الجمركية، حواجز التجارة التنظيمية، وضوابط حركة رؤوس الأموال والأشخاص) 3.47 نقطة. أما في المجال الخامس (النظام: أنظمة سوق الائتمان، أنظمة سوق العمل، وأنظمة الأعمال) 6.44 نقطة، لتكون هذه المجالات بمستوياتها المتدنية شاهدة على انهيار حرية لبنان الاقتصادية منذ بدء الأزمات وحتى اليوم.

أما عالمياً، فقد حلّت هونغ كونغ في المرتبة الأولى، تلتها سنغافورة وسويسرا ومن ثم نيوزيلندا والدنمارك، في حين حلّت الامارات العربية المتحدة في المركز الـ 49 عالمياً والأول عربياً. في المقابل، ضمت قائمة الدول العشر الأقل تصنيفاً كلاً من جمهورية الكونغو الديموقراطية والجزائر وإيران وليبيا والأرجنتين وسوريا وزيمبابوي والسودان وفنزويلا.

وبحسب التقرير الذي جاء في 246 صفحة، فقد استخدم العديد من الدراسات والبيانات المنشورة في مجلة الحرية الاقتصادية في العالم لدراسة تأثير الحرية الاقتصادية على الاستثمار والنمو الاقتصادي ومستويات الدخل ومعدلات الفقر. ووجدت هذه الدراسات وبدون استثناء أن الدول التي لديها مؤسسات وسياسات أكثر اتساقاً مع الحرية الاقتصادية لديها معدلات استثمار ومستويات دخل أعلى، ونمو اقتصادي أسرع، ومعدلات فقر متدنية. لذلك، ومن أجل الحصول على تصنيف عالٍ، على الدولة توفير الحماية الآمنة للممتلكات الخاصة، وتوفير نظام قانوني يعمل على تنفيذ العقود بناءً على أساس مبدأ المساواة، وتحقيق بيئة نقدية مستقرة. كما يجب عليها إبقاء الضرائب منخفضة والامتناع عن خلق حواجز أمام التجارة المحلية والدولية، فضلاً عن الاعتماد بصورة أكبر على الأسواق بدلاً من الإنفاق الحكومي.

شارك المقال