هل إقرار الموازنة أفضل من عدمه؟

فدى مكداشي
فدى مكداشي

في الزمن العجيب يتم السعي اليوم الى اقرار موازنة العام 2022، مع التذكير بأننا على مشارف الشهر العاشر من هذه السنة، والسؤال الذي يطرح نفسه منطقياً: ما هي الفعالية المتوخاة من هذه الموازنة؟ هل المطلوب إقرار وتكريس سياسات مالية تتعلق تحديداً بالضرائب والرسوم وبالدولار الجمركي والودائع المصرفية؟ وهل ستكون موازنة 2022 فاعلة إذا أقرّت في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام، وهي الفترة التي يتعين على الحكومة أن تنكب خلالها على إعداد موازنة العام المقبل؟

موازنة “التجويع”

احتدم السجال في الفترة الأخيرة حول رفع الضرائب والرسوم وكذلك الدولار الجمركي، إذ أعطى قانون منح الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي رقم 93 عام 2018، لمدة خمس سنوات حق التشريع في الحقل الجمركي بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء، وفي ما يتعلق بالتعريفات الجمركية، للحكومة أن تمارس هذا الحق مباشرة أو تنيب المجلس الأعلى للجمارك أن يمارسه. ولكن الوزراء في حكومة تصريف الأعمال أفادوا بأنه يمكن لوزير المالية رفع قيمة الدولار الجمركي بالتنسيق مع حاكم مصرف لبنان، استناداً إلى صلاحية استثنائية خلافاً لما ورد في القانون، ومنهم وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم الذي كشف في حديث اذاعي أن “قرار رفع الرسوم والضرائب والدولار الجمركي لا يحتاج الى تصويت الحكومة عليه”، موضحاً أن وزير المالية خلال لقاء حصل سابقاً أبلغ الوزراء بوجود صلاحية استثنائية تمكنه من تعديل قيمة الدولار الجمركي والرسوم ، وهذا ما سيقوم به بالتفاهم مع حاكم المصرف المركزي.

وأتحفنا بيان تكتل “الجمهورية القوية” بما تضمنته الموازنة من مصائب وأنه سيصوّت ضد اقرارها، علماً أن الموازنة شرط أساس من شروط صندوق النقد الدولي.

تطيير الموازنة

في بداية الجلسات المحددة لدراسة الموازنة واقرارها، طار النصاب في اليوم الأول وطارت الجلسة، وبدأت عملية إعاقة إقرارها. وقاطعت كتل متعددة الجلسة بحجة أن هذا اليوم هو ذكرى الرئيس الراحل بشير الجميل وبالتالي من غير المقبول تحديد جلسة تشريعية في التاريخ نفسه، علماً أن الكتل التي قاطعت هي “الجمهورية القوية”، “الكتائب”، “الأحرار” ونواب متفرقين. وكان مجموع من حضر الى الجلسة أمس، 58 نائباً فقط قبل أن يعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن تأجيلها الى اليوم.

شرط دولي

وعن أهميّة وضرورة الاسراع في إقرار مشروع موازنة العام 2022 على أسس إصلاحية في مجلس النواب، يؤكد الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة أن “هذا شرط أساس من شروط صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان”، لافتاً الى أن “مشروع الموازنة الذي كانت أحالته الحكومة على لجنة المال والموازنة في مجلس النواب لإقراره لقي اعتراضات على العديد من بنوده. وعمدت اللجنة الى انهاء تحضيره بعد معالجة جزء كبير من الاعتراضات ورفعته الى رئاسة المجلس مع 16 بنداً معلقة متروكة للدرس والصياغة خلال الجلسة التشريعية التي حددها رئيس المجلس”.

ويشير إلى أن “منهجية إعداد مشروع موازنة المالية العامة للعام 2022، تشمل سعر الصرف المُعتمد في المشروع، وكتاباً حول إعادة تقويم قاعدة استيفاء الضرائب والرسوم عند الاستيراد، كما تشمل كتاباً يتضمن شرحاً لبعض البنود الأساسية المُدرجة في مشروع قانون فتح اعتماد إضافي بقيمة عشرة آلاف مليار ليرة لبنانية وأبرزها بدل نقل مقطوع للسلك العسكري، وبدل نقل مؤقت لجميع الادارات العامة، وبدل ساعات التعاقد مع وزارة التربية، وبدل استشفاء بما فيها أدوية، ومستشفيات، ومختبرات، ومرض، وأمومة، إضافةً إلى تمويل مولدات ورصد اعتمادات إضافية لصالح وزارة الداخلية والبلديات (محافظة كسروان – جبيل)، ولوزارة التربية والتعليم العالي خصوصاً الجامعة اللبنانية”.

صورة مصغرة عن عجز الحكومة

ويعتبر علامة أن “مضمون مشروع قانون موازنة العام 2022 هو بمثابة صورة مصغرّة وأمينة لوضع وواقع السلطة التنفيذية التي سوف تتبناه؛ أي عجز وتخبط وتمنيات كما ومحاولات خجولة لإعادة توازن مفقود ورفد الخزينة بإيرادات باتت ملّحة لتجنب الإنهيار الكامل وزوال الدولة ومؤسساتها. ومما لا ريب فيه أن هذا المشروع، على غرار سابقه (أي مشروع موازنة 2021) المماثل إلى حد التطابق في الكثير من المواد باستثناء الأرقام المعدّلة على هوى أسعار الصرف غير الثابتة، خالِ من أي رؤية إقتصادية وبرنامج إصلاحي فعلي ومدروس يعيد الثقة إلى المواطن والمستثمر ويبلسم جراح شعبٍ نازفٍ وتائه”.

ويوضح أنه “يتضمن مجموعة من التدابير الطارئة والجزئية وحوافز خجولة غير كافية ومعزولة عن أي حلّ شامل وبرنامج متكامل واضح المعالم للخروج من الأزمة المستفحلة”، محذراً من “عدم القدرة على إحداث التغيير المنشود أو أقله المباشرة به كما وتقاعس في التنفيذ وتجنب أي تدبير من شأنه الإزعاج أو الإرباك أو المواجهة”.

وإذ يرى أن “مشروع الموازنة حاول إلى حدٍ ما مراعاة الظروف الصعبة السائدة وتجنب زيادة الضرائب في ظل ما يسود من حالة ركود وإنكماش وتضخم مفرط، وحرص واضعوه على تأمين مساعدات إجتماعية بحدها الأدنى وبعض الحوافز الإستثمارية لجذب الرساميل الأجنبية على الرغم من التوقيت الخاطئ كونها لن تحقق النتائج المرجوة ولن تحدث صدمة إيجابية تعيد الثقة والإطمئنان وذلك، بمعزلٍ عن خطة تعاف عادلة وموضوعية متوافق عليها”، الا أنه نبّه على “التضليل وإظهار المستور بفعل زيادة الضرائب والرسوم حيث هو متاح وغير ظاهر للعيان أو قابل للإعتراض أو التذمر كزيادة الضرائب غير المباشرة والرسوم المتفرقة والتحكم بسعر الصرف والقيم التأجيرية والتخمينية من دون إيجاد حلٍ مسبق لتعدد أسعار الصرف في السوق المحلية وتقلب العملة وتهاوي قيمتها”.

ويقول: “كنا نأمل نقلة نوعية وإصلاحاً فعلياً في المالية العامة من خلال موازنة شفافة وشاملة وعصرية لاسيما أن الظروف الاستثنائية الراهنة كانت تحتم موازنة إستثنائية جريئة وخلاقة لا موازنة شبيهة إلى حد التطابق مع سابقاتها. وطالما أن الحكومة هي حكومة تصريف أعمال موجودة لفترة وجيزة إنتقالية إلى حين إجراء الإنتخابات الرئاسية في الأشهر القليلة المقبلة، كان الأجدى بها تحقيق خرق فعلي وإعداد موازنة عصرية إصلاحية ولو كلف الأمر رفضها ومعارضتها من الشريحة الأكبر من النافذين كما والمتضررين خصوصاً على المستوى الاداري أو الاقتصادي أو المصرفي أو الاحتكاري”.

بين السيء والأسوأ

ويعتبر أنه “رغم كل ما ذكر فإن إقرار الموازنة يبقى أفضل من عدمه وإن كان لا فائدة مالية أو اقتصادية من إقرارها في الأشهر الثلاثة الاخيرة فهذا يعني أن الكتل التي تعارض وتعتمد الشعبوية والرسائل السياسية في هذا الظرف الحساس من تاريخ لبنان لن تجني إلا مزيد من الخراب على مستوى الواقع المالي والاقتصادي وعلى مستوى مالية الدولة”، مؤكدا “ضرورة “الانتقال اليوم من موازنة الأرقام الى موازنات أكثر حداثة كموازنات البرامج والأهداف التي تتيح للمجلس النيابي فعلاً لا قولاً دراسة اعتماداتها وإيراداتها المقدرة ومن ثم فتح باب المحاسبة والمساءلة على قاعدة فصل السلطات وبعيداً عن الشعبوية والنفاق”.

أخيرا، متى سيدخل لبنان مرحلة الحداثة والعصرنة؟ وهل ممكن أن يحصل هذا الأمر في ظل وجود كتل نيابية وأحزاب تمتهن التخلف وتتفاخر به؟ سؤال برسم الأيام القادمة.

شارك المقال