لبنان “النفطي” ينتظر المسار الطويل للحفر الاستكشافي

المحرر الاقتصادي

كثيرة هي الأوصاف التي أطلقها العهد وخصومه على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. بين “الانجاز التاريخي” و”الانتصار” وأن “لبنان بلد نفطي”، أو أن الإتفاق يعني بلا لبس “تطبيعاً مع العدو”، ونعوت أخرى لا تفسر للشعب اللبناني تفاصيل الاتفاق بمقاربة علمية تضع خارطة طريق لمستقبل لبنان النفطي لا سيما وأنه لا توجد بعد تقديرات علمية عن حجم الموارد النفطية المحتملة وقيمتها باستثناء المسوحات الزلزالية ثلاثية الأبعاد التي تمت.

فكما هو معلوم، لا يكفي تحليل البيانات السيزمية ثلاثية الأبعاد وحده لتأكيد وجود الهيدروكربونات (أي النفط والغاز) بكميات تجارية. لذا، يجب أن تكون الهيدروكربونات موجودة بكميات كافية وقابلة للانتاج بأسعار يمكن أن تبرر تكلفته. وهذا الأمر لا يمكن تأكيده قبل الحفر، وهو ما لم يبدأ بعد. فشركة “توتال إنرجيز” أعلنت أنها ستبدأ أعمال الحفر في مكمن “قانا” البلوك رقم 9 أوائل 2023 من دون تحديد موعد لبدء هذه العملية التي يمكن أن تؤدي، إما الى الاعلان عن نتائج إيجابية للحفر الاستكشافي، أو على العكس تماماً كما حصل مع عمليات حفر بئر استكشافي في البلوك رقم 4 في العام 2020. ففي حينه، أعلنت “توتال” بعد شهرين من عمليات الحفر احتمال وجود غاز لكن بكميات غير تجارية.

والحفر الاستكشافي هو أخذ عيّنات من الطبقات الجيولوجية في قعر البحر من أجل فحصها ودراستها، وهي عملية تستغرق شهرين من الحفر، وشهرين آخرين لدراسة العينات في المختبرات، والتي على أساسها تُحدّد نسبة الهيدروكربونات المتواجدة في البحر. وبناء على النتيجة، يُتخذ القرار بشأن الاستمرار في الحفر ببئر آخر في البلوك نفسه أو الانتقال الى حفر بئر ثانٍ في بلوك آخر.

وبالتالي، فإن الطريق لا تزال طويلة لمعرفة ما يملكه لبنان من ثروات نفطية ولاسيما الغاز، فيما أعلنت شركة “إنرجيان” بدء إنتاج الغاز في حقل “كاريش” البحري في إسرائيل.

ووسط كل ذلك، يستعد لبنان لتلقي طلبات الاشتراك في دورة التراخيص الثانية والتي تنتهي في 15 كانون الأول 2022، وتتعلق بعمليات الاستكشاف في 8 بلوكات.

وكانت المهلة مددت من حزيران الى كانون الأول بعد قرار لوزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض في هذا الخصوص بناءً على توصية هيئة إدارة قطاع البترول، وذلك “إفساحاً في المجال لشركات إضافية غير العاملة حالياً في المياه البحرية اللبنانية كي تحضّر ملفاتها ودراساتها والاشتراك في هذه الدورة، مما يتيح المجال لخلق مستوى مقبول من المنافسة ما بين شركات النفط والغاز العالمية”، وفق بيان للوزارة. لكن التمديد جاء بعد عدم تقدم أي شركة عالمية للتنقيب في المياه اللبنانية.

فهل سيكون توقيع الاتفاق مقدمة لتقديم الشركات العالمية غير شركتي “توتال” و”ايني” الايطالية العاملتين وفق تحالف (كونسورتيوم)، طلبات للمشاركة في دورة التراخيص هذه؟

يذكر أن “نوفاتك” الروسية كانت انسحبت من الكونسورتيوم بفعل ضغوط دولية وتحولت حصتها البالغة 20 في المئة الى الدولة اللبنانية. وفي هذا الاطار، كشف الرئيس التنفيذي لشركة “قطر للطاقة” سعد شريدة الكعبي، الأحد، أن الشركة المملوكة للدولة تجري محادثات مع الحكومة اللبنانية للاستحواذ على حصة 30 في المئة في منطقة استكشاف بحرية، وتتفاوض أيضاً مع “توتال إنرجيز” و”إيني” في هذا الشأن.

وقد مهد لبنان لدخول قطر بعد نقل حصته و”توتال – لبنان” الى شركات غير لبنانية بحسب الاتفاق مع اسرائيل والذي نص على أن الشركة المنقّبة التي ستعمل على طرفي الحدود، لا يمكن أن تكون لبنانية أو إسرائيلية. وهو ما دفع هيئة إدارة البترول إلى إجراء تعديلات على المستندات المتعلقة باتفاقيات الاستكشاف والإنتاج في البلوكين 4 و9. وبموجب التعديلات، تمت الموافقة على تنازل ” توتال – لبنان” عن نسبة مشاركتها في اتفاقية الاستكشاف والإنتاج العائدة للبلوك رقم 9، لصالح شركة مملوكة من “توتال – فرنسا” اسمها “داجا 215”. كما تمت الموافقة على تنازل الدولة عن نسبة مشاركتها في اتفاقيتي الاستكشاف في كل من البلوكين 4 و9 إلى شركة “داجا 216” بصورة مؤقتة.

شارك المقال