كيف ينعكس الدولار القوي على لبنان؟

المحرر الاقتصادي

ليس في نية الاحتياط الفيدرالي، وهو المصرف المركزي الأميركي، أبداً تخفيف سياساته النقدية في أي وقت قريب. فهمّه الأول يبقى مكافحة معدلات التضخم التي باتت تبلغ مستويات تاريخية هي الأسوأ منذ أربعين عاماً في الولايات المتحدة. وسيستمر في استعمال أداة رفع أسعار الفائدة كسلاح لمحاربة التضخم الذي وصل الى ما نسبته 8.2 في المئة في أيلول على أساس سنوي.

يوم الأربعاء، أعلن الاحتياطي الفيدرالي زيادة كبيرة جديدة هي الرابعة له على هذا المستوى هذا العام، بمقدار 75 نقطة أساس. وبهذه الزيادة، بات سعر الفائدة القياسي على الأموال الفيدرالية يتراوح بين 3.75 في المئة و4 في المئة. ومن المتوقع أن تصل المعدلات إلى ذروتها عند 4.5 في المئة إلى 4.75 في المئة في العام 2023، وفقاً لتوقعات المصرف المركزي الأميركي.

في الأسبوع الماضي، قال الاقتصاديون في مصرف “غولدمان ساكس” إنهم يتوقعون أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي إلى نطاق من 4.75 في المئة إلى 5 في المئة بحلول آذار 2023.

وهذا يعني أن الاحتياطي الفيدرالي لن يفرمل اجراءاته التشددية في أي وقت قريب إلى أن يصل الى هدفه بمعدل تضخم نسبته 2 في المئة.

وكان رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول واضحاً في هذا الخصوص حين أبلغ الصحافيين عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة التابعة للمصرف المركزي، أن “من السابق لأوانه للغاية التفكير في التوقف” بشأن جهود رفع سعر الفائدة الفيدرالية المستهدف.

ومن شأن رفع أسعار الفائدة أن يعزز قيمة الدولار ويجعله أكثر قوة، ويتسبب بالضرر خصوصاً للبلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض. فالدولار القوي يغوي المستثمرين لاخراج أموالهم واستثماراتهم من أوروبا ومن الأسواق الناشئة باتجاه ملاذ آمن في أدوات استثمارية مقوّمة بالدولار.

ولكن ما هو انعكاس الدولار القوي على لبنان؟

لا شك في أن هناك تبعات عديدة لقوة الدولار محلياً. فلبنان بلد مستورد بنسبة تفوق 85 في المئة من حاجاته، وهو يحتاج الى دولارات مستنزفة لتمويل عمليات الاستيراد التي لا تزال ترتفع على الرغم من الأزمة الاقتصادية المركبة.

بحسب آخر أرقام متوافرة، ارتفع إجمالي السلع المستوردة بنسبة 35.15 في المئة على أساس سنوي في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي إلى 10.74 مليارات دولار. بينما ارتفع إجمالي الصادرات بنسبة 16.27 في المئة على أساس سنوي إلى 2.63 ملياري دولار. ما يعني أن العجز التجاري، الذي يمثّل الفارق بين ما يستورده لبنان من خدمات وسلع وما يصدّره إلى الخارج، بات يبلغ 8.10 مليارات دولار فيما كان 5.68 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.

وبصورة أوضح، فإن الدولار القوي يجبر الدولة على استخدام المزيد من عملتها لشراء الكمية نفسها من السلع. ويعني هذا السعر المرتفع أنها ستستورد المزيد من التضخم إلى جانب استيرادها الحبوب والوقود.

فمن أين سيستمر لبنان في تمويل عجز الميزان التجاري في وقت استُنزفت الاحتياطيات بالعملات الأجنبية الموجودة لدى المصرف المركزي بفعل سياسة دعم خاطئة فرضتها حكومة الرئيس حسان دياب، بحيث باتت أقل من 10 مليارات دولار؟ وذلك في وقت كانت هذه الاحتياطيات تغطي في العام 2018 ما نسبته 17 شهراً من الواردات حين كانت تبلغ 35 مليار دولار.

ويعاني الميزان التجاري عجزاً هيكلياً منذ عشرات السنين، وانخفض بعض الشيء في نهاية العام 2019 نتيجة الانخفاض الكبير في الاستهلاك، بحيث انخفضت الواردات على خلفية الأزمة الاقتصادية.

كذلك، يؤثر الدولار القوي على دين لبنان الخارجي والبالغة قيمته راهناً حوالي 40 مليار دولار، في وقت لم تنجز بعد خطة إعادة هيكلة الدين العام بشقيه المحلي والخارجي التي تطلق على أساسها عملية التفاوض مع الدائنين الدوليين.

شارك المقال