الدولار الجمركي… متاهة مستمرة

هدى علاء الدين

كغيره من القرارت الاقتصادية التي لا تزال تسير في طريق مجهول، يغرق الدولار الجمركي في متاهات التأجيل المستمر لناحية البدء بتنفيذه كمصدر رئيس للدولة من أجل زيادة إيراداتها لتغطية نفقاتها المالية. ففي كل مرة تُحدّد الحكومة موعداً ثابتاً لدخول رفع الدولار الجمركي إلى الـ 15000 ليرة حيّز التنفيد، يتم التراجع عنه بفعل الواقع السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي السيء الذي يفرض نفسه عقبة رئيسة أمام أي محاولة جدّية لاعتماده.

مخاوف العمل بتسعيرة الدولار الجمركي الجديدة تثير حالات من القلق نتيجة انعكاساته المباشرة وغير المباشرة على أكثر من صعيد، حتى أن تحقيق الهدف من ورائه لم يعد مضموناً. وفي وقت يبدو أن هذا الخيار لا يزال غير ناضجٍ في التوقيت، يُخشى من تأثيره المباشر على الأسعار وعلى حالة الارباك التي سيخلقها في السوق، فضلاً عن زيادة أعباء السلع الاستهلاكية على المواطنين. وعليه، تبقى حالة الضبابية قائمة إلى حين احتواء تداعياته من دون الانجرار إلى مزيد من التأزم الاقتصادي.

وبحسب مصادر “لبنان الكبير”، فإن مسألة رفع الدولار الجمركي لا تزال عالقة بين حاجة الحكومة الملحة إلى موارد مالية لم تعد قادرة على تأمينها لتُغذي بها عجز خزينتها، وبين عدم قدرتها على تحمل تبعات ما سيؤول إليه السعر الجديد، في ظل الفوضى الشاملة والصدمات القاسية التي تتعرض لها أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، فضلاً عن التراجع في القدرة الشرائية مقابل ازدياد كلفة المعيشة التي أصبحت تتراوح بين 20 مليون و26 مليون ليرة شهرياً بالحدّ الأدنى، وبمتوسط 23 مليون ليرة شهرياً. كما أن الاصلاحات المالية والمصرفية والهيكلية التي تُخفف من وطأة السعر الجديد لا تزال غائبة، الأمر الذي يُصعب من مهمة الحكومة خصوصاً وأن اعتماد الدولار الجمركي بسعره النهائي سيؤدي إلى مزيد من الضغوط على سعر الصرف في السوق الموازية، الأمر الذي لا يمكن للحكومة أن تُسيطر عليه نتيجة عدم امتلاكها القدرة على لجم سعر الصرف في السوق الموازية، على عكس مصرف لبنان الذي يملك مفاتيح التحكم بهذا السوق.

وعن استغلال التجار ارتفاع الدولار الجمركي، تُشير المصادر إلى أن غياب الرقابة يفتح المجال أمامهم من أجل احتكار بعض المواد والسلع، بحيث قد تشهد الأسواق مجدداً على نسب تهريب مرتفعة، لا سيما وأن هناك العديد منهم قام في وقت سابق باستيراد كميات كبيرة من السلع كخطوة احترازية قبيل البدء بتنفيذ العمل بسعر الـ 15000، وهو ما سيحقق لهم أرباحاً مضاعفة أقله إلى حين نفاذ الكميات المتواجدة لديهم. وعليه، فإن نسبة الاستيراد في الفترة الأولى لن تكون مرتفعة من قبل التجار ولن يكون بمقدور الحكومة تحقيق الايرادات اللازمة لها.

عملياً، لم يعد أمام الحكومة الكثير من الخيارات المتاحة من أجل ضخ السيولة لخزينتها وتقليص العجز في ميزانيتها، بعد فشل كل محاولاتها السابقة. وعلى الرغم من الكلفة الاقتصادية والمالية الباهظة لمعظم هذه الخيارات، يبقى تحديد نقطة الصفر لبدء سريان مفعول الدولار الجمركي مسألة وقت لا أكثر. قرار على الرغم من أهميته لناحية حصول الدولة على موارد مالية جديدة، إلا أنه لا يزال الأخطر في المرحلة الراهنة بسبب آثاره المتوقعة على الاستيراد والاستهلاك وارتفاع الأسعار. أما عن قرار تأجيله، فتؤكد المصادر أن الأمر مرتبط حتماً بحلحلة الوضع السياسي أولاً والمتمثل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، خصوصاً وأنه لا مجال اليوم لأي خضة مالية جديدة.

كلمات البحث
شارك المقال