“الكابيتال كونترول”… صيغة مشوّهة وتبريرات غير مقنعة

فدى مكداشي
فدى مكداشي

قرّرت اللجان النيابية المشتركة تعليق المناقشة في مشروع قانون “الكابيتال كونترول” الوارد من الحكومة والمعدل مرات عدة، والطلب منها إرسال خطة تعافٍ اقتصادية نقدية ومالية ومعها جميع القوانين المرتبطة بها في رزمة واحدة ليعمد بعدها المجلس النيابي إلى مناقشتها وإقرارها.

مرة جديدة، فشلت اللجان المشتركة في إقرار قانون “الكابيتال كونترول”، وسط احتجاجات على صيغته المشوّهة وتبريرات غير مقنعة. فشلت، على الرغم من الطروحات العملية المقدمة، والتي قضى بعضها بفصل مسألة تنظيم السحوبات الداخلية التي تثير خلافات واعتراضات، عن جوهر القانون القاضي بضبط التحويلات إلى الخارج، الذي يمكن إنجازه بمقطع واحد، وهم ما لم يتم بطبيعة الحال. فتهريب الأموال الى الخارج مستمر الى اليوم، والاستنسابية والاعتباطية هما المعياران المعتمدان، فيما الجميع يهربون من القانون، لسبب معلوم لا مجهول.

وكانت اللجان المشتركة علقت مناقشة مشروع القانون أول من أمس بعد أن عمد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الى الطلب من نائب حاكم مصرف لبنان الكسندر موروديان مغادرة الجلسة، داعيا الحاكم رياض سلامة إلى الحضور شخصياً في الجلسة المقبلة.

المماطلة في تطبيق الإصلاحات

في السياق، يرى الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “المماطلة في إقرار الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، دليل على استمرارية الاستنسابية التي تعتمدها المصارف بهدف حفظ مصلحة أصحابها على حساب المودعين، وحمايتها كذلك من أي دعاوى خارجية قد تقام ضدها، وخصوصاً خارج لبنان”، معتبراً أن “إقراره من دون ربطه بخطة إصلاحية اقتصادية ومالية شاملة هو تجاهل فاضح لمطلب صندوق النقد الدولي حيال هذا الأمر. فالقانون بالصيغة المقدم بها، لا يلحظ الحاجة الى إعادة هيكلة مصرف لبنان وإعادة رسملة المصارف، بل يشرّع مخالفاتها في تسديد الودائع لأصحابها بدل أن يلزمها بذلك”. 

حاجة… ولكن؟

تجدر الاشارة الى أن جمعيات ولجاناً نادت ولا تزال بهذا القانون علّها تجد ضالتها في بعض المواد التي تحد من السحوبات وتساوي بين المودعين من دون أن يكون هناك مودع محظي يستطيع تحويل وسحب ما يشاء من وديعته بطريقة أو بأخرى، ومودع آخر مغبون لا يُعطى حتى قوت يومه، أو حتى تكلفة طبابة أو تعليم. وعلى الرغم من استعجال إقرار “الكابيتال كونترول”، داخل البرلمان وخارجه إلا أنه خال من أي خطة متكاملة تحدد بوضوح مصير الودائع.

وشهدنا في الآونة الأخيرة مجموعة من التجاذبات والاعتراضات حول مشروع القانون هذا لا سيما حق المودع باللجوء إلى القضاء لاستعادة وديعته، فكيف قارب مشروع القانون هذا الأمر؟ وهل لحظ القانون الدعاوى التي تقام خارج البلاد؟

الثغرات القانونية

ويوضح علامة أن “مشروع الكابيتال كونترول بصيغته المطروحة يحاول تثبيت حماية المصارف من دعاوى المودعين. وسيؤدي ذلك، في غياب إقرار قانون هيكلة المصارف، الى ترسيخ الوضع الشاذ القائم على الاجحاف بحق المودعين عبر سحوبات هزيلة واقتطاع قسري تصل نسبته أحياناً إلى 80%. كما أن المشروع يميز بين دولار قديم ودولار جديد، خلافاً لمبدأ المساواة في الحقوق سواء القائمة منها قبل 17 تشرين 2019 أو بعده”.

ويشير الى أن القانون “ينص على لجنة تحدد أحقيات السحب والتحويل، تضم مصرف لبنان الذي مارس مختلف التعاميم منذ بداية الأزمة حتى تاريخه كما أن اللحظة السياسية التي يعود فيها المشروع الى التداول لا تسمح بإيجاد توافق على تعديلات عادلة عليه، لأن عدة كتل نيابية تتربص بأخرى وستزايد عليها في شعبويات باتت لا تنطلي على المودعين”.

واذ يقول ان “البعض اعتبر أنه في حال إقرار قانون الكابيتال كونترول يجب إقراره بالأثر الرجعي له وبالتالي تكريس للحق الواضح والصريح للمودع بمقاضاة المصارف تحت عنوان (ممارسة حق مقدس مكرس بالقانون والدستور)، وبالتالي تبقى الدعاوى قائمة”، يلفت الى أن “مشروع القانون ذهب إلى المناداة بتجميد الدعاوى السابقة كافة أي بأثر رجعي وبالتالي تصبح من دون أي قيمة قانونية كما ومنع مداعاة المصارف لاحقاً بعد إقرار القانون وحرمان المودع ليس من ممارسة حقه وحسب، بل نسيان ما وقع من عمليات اقتطاع من رأس ماله ووديعته، ويصبح المبلغ المتبقي في مصرف لبنان من أموال المودعين كافة من دون تمييز على قاعدة المساواة بينهم”، مؤكداً “ضرورة أن يعي المشرع أهمية تحديد الخسائر كحق لكل مودع في معرفة نسبة خسارته، وبالتالي لا يكون هناك مودع محظي وآخر مغبون”.

يبقى الاطار العام لهذه الخطوات كلها موازنة عامة شفافة صريحة في إيراداتها، معتدلة في نفقاتها، تجعل من النمو والانتاج والمبادرة السمة الأساسية لها، لكن ما نشاهده من تخبط في إدارة هذا الملف يجعلنا نوقن بأن هذه الاجراءات الاصلاحية والتدابير المطلوبة لا تزال في مكان آخر لا تطاله يد المشرّع اللبناني.

شارك المقال