ديون لبنان… مثال للفشل

هدى علاء الدين

لم يكن قرار التخلف عن سداد سندات اليوروبوند، الذي اتخذته حكومة حسان دياب في 7 آذار 2020، قراراً عادياً بالنسبة الى لبنان الذي وصلت فيه قيمة الدين العام في ذلك الوقت إلى أكثر من 90 مليار دولار، أي ما يعادل حوالي 170 في المئة من ناتجه المحلي الاجمالي. وبعد مرور أكثر من عام ونصف العام على هذه الخطوة الاستثنائية التي جعلت لبنان في قائمة البلدان المفلسة لأول مرة في تاريخه، لا تزال حكوماته عاجزة عن التعامل مع إدارة أزمته حتى جعلته بلداً يُضرب به المثل لناحية عجزه وفشله في إدارة دفع هذه الديون، وذلك بحسب ما ورد في أحدث التقارير الصادرة مؤخراً عن وكالة “بلومبرغ” الأميركية والذي أتى بعد تخوّف قادة مجموعة العشرين من أزمة الديون المتفاقمة التي تواجهها بعض الدول متوسطة الدخل، وسط تجدّد دعوتهم جميع الدائنين من القطاعين العام والخاص الى الاستجابة سريعاً لطلبات معالجة الديون وإعادة هيكلتها والتخفيف من أعبائها.

التقرير الذي كشف عن تعرض الأسواق الناشئة لضغوط من ارتفاع الديون وتباطؤ النمو وارتفاع العائدات، أعلن فيه عن انضمام سريلانكا بالفعل إلى صفوف لبنان وزامبيا مع إخفاق تاريخي في الدفع، معتبراً أن الذعر قد يكون مبالغاً فيه لا سيما وأن المخاطر تتركز في الاقتصادات الصغيرة، ومرجحاً أن تبقى معظم البلدان النامية الكبيرة محصّنة حتى لو اشتدت الضغوط على الأسواق الحدودية. وقد أظهر التقرير الذي اعتمد على نموذج خاص (مكوّن من الديون وأسعار الفائدة وأسعار الصرف وظروف السوق المالية) لتقدير مخاطر التخلف عن السداد في 41 دولة ناشئة على مدار الاثني عشر شهراً القادمة، حصول 11 دولة على احتمال افتراضي أعلى من 10 في المئة، بما في ذلك الأرجنتين والاكوادور وإثيوبيا وكينيا وباكستان وتونس وهي معظمها لديها ديون تزيد عن 60 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، إلى جانب إندونيسيا والفلبين وفيتنام الذي يُعد رصيد ديونها أكثر تواضعاً بحيث يقل معظمه عن الـ 45 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.

وعن العوامل التي تؤدي إلى زيادة مخاطر ديون الأسواق الناشئة، فقد اختصرها التقرير بخمسة مكونات أساسية تشمل ارتفاع رصيد الاقتراض في الاقتصادات النامية عما يزيد قليلاً عن نصف الناتج المحلي الاجمالي السنوي في العام 2019 إلى ما يقرب من الثلثين هذا العام، إلى جانب الارتفاع السريع لأسعار الفائدة العالمية بوتيرة لم يشهدها منذ أربعة عقود، ما سيجعل خدمة الديون المقومة بالعملة الأجنبية أكثر عبئاً، فضلاً عن ضعف أسعار الصرف في الأسواق الناشئة مقابل الدولار منذ نهاية العام 2020 والتي تؤدي إلى زيادة تكلفة الدين الخارجي، بالتزامن مع ارتفاع عبء الدين العام نتيجة رفع البنوك المركزية في الدول النامية أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من الولايات المتحدة بهدف ترويض التضخم ومنع المزيد من انهيار العملات الوطنية. وأخيراً وجود حالات عديدة للتخلف عن السداد في بيلاروسيا وروسيا وسريلانكا، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول من سيكون التالي؟.

وأشار التقرير إلى أن السياسة هي من أحد العوامل المفقودة التي يمكن أن تضغط على البلدان لاعطاء الأولوية لواردات المواد الأساسية مثل الغذاء والدواء على حساب خدمة الديون. في المقابل، يمكن للعوامل التنظيمية أيضاً أن تجبر البلدان القابلة للاستمرار مالياً على عدم السداد كما كان الحال مع روسيا. كما توقع احتمال التعثر الكلي المرجح لاجمالي الناتج المحلي إلى 5 في المئة في العام 2023 ارتفاعاً من 1.5 في المئة، على أن ترتفع مخاطر التخلف عن السداد في الأسواق الناشئة الأكبر مثل الأرجنتين وتركيا إلى ما يزيد عن 40 في المئة. ووفقاً للتقرير، يمكن أن تؤدي حالات التخلف عن السداد إلى تفاقم الوضع السيء كما تظهر التجربة الأخيرة في لبنان وسريلانكا، بحيث شهد كلا البلدين فترات ركود عميقة وتضخماً مرتفعاً للغاية ووضعاً سياسياً غير مستقر، مشيراً إلى أن الجانب الايجابي يكمن في تدخلات صندوق النقد الدولي الأخيرة في الاكوادور في العام 2020 على سبيل المثال لا الحصر، لجهة فعاليتها في تقليص الوقت الذي يبقى فيه بلد ما في حالة تخلف عن السداد من خلال ضمان تنفيذ الحلول السريعة. فهل سينجح لبنان في الافادة من تجربة صندوق النقد لتخطي تجربة الفشل أم سيبقى مثالاً لذلك؟

شارك المقال