دولار الـ 15000: خطوة يتيمة لصالح خزينة الدولة

هدى علاء الدين

يستعدّ لبنان لمرحلة دولارية جديدة بعدما حسم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بدء عمل المصرف وفق سعر 15000 ليرة للدولار الواحد ابتداءً من شهر شباط المقبل، يسبقه دخول الدولار الجمركي حيز التنفيذ بعد يوم غد، وذلك بناءً على الكتاب المرسل من وزير المالية إلى المصرف المركزي الذي طلب فيه المباشرة باحتساب أسعار العملات الأجنبية على الضرائب والرسوم التي تستوفيها إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة، مشيراً إلى أن هذا التدبير يساعد في الحد من استغلال فروق الأسعار ومن تخفيف التشوهات والخسائر التي تتكبدها الخزينة.

في الظاهر، تأتي هذه القرارات ضمن سلة متكاملة تهدف بحسب مؤيديها إلى بدء العمل جدياً بسياسة توحيد سعر صرف الدولار في السوق والتخلص من تعدديته، لكن الخوف من انعكاساتها يبقى الهاجس الأكبر خصوصاً وأن ارتفاع الأسعار بفعل الدولار الجمركي المرتقب سيعرض الرواتب إلى مزيد من التآكل والانهيار في قدرتها الشرائية. وفي هذا السياق، اعتبرت مصادر “لبنان الكبير” أن توقيت بدء تطبيق الدولار الجمركي بالتزامن مع الموافقة على زيادة رواتب القطاع العام خير دليل على حاجة الدولة الى مورد مالي جديد يغطي نفقات هذه الزيادة، خصوصاً وأن رواتب العاملين والموظفين في القطاع بمختلف إداراته ومؤسساته لم تعد قادرة على مواكبة الأسعار المرتفعة ومعدلات التضخم العالية. وعلى الرغم من أن الزيادات المتوقعة التي لن تدخل في أساس الراتب (لا تتجاوز 12 مليون ليرة) لا يمكن لها أن تتجاوز معدل التضخم، لأن ذلك يتطلب ضخ سيولة كبيرة بالعملة الوطنية لا يمكن توفيرها في الوقت الحاضر نتيجة للتضخم الهائل للكتلة النقدية في السوق في الأشهر الستة الماضية، يُخشى أن تكون تداعياته أسوأ من تداعيات سلسلة الرتب والرواتب على الاقتصاد. وإذ اعتبرت المصادر أن زيادة الرواتب والأجور هي حق مشروع للقطاع العام أسوة بموظفي القطاع الخاص، إلا أنه كان يحتاج أولاً إلى إعادة هيكلة لاحتوائه على فائض أنهك الخزينة العامة على مدى سنوات. فالقطاع يحتاج إلى تصحيح جذري للأجور بما يتناسب مع قدرة القطاع على احتواء الموظفين وقدرة الدولة على دفع مستحقاتها تجاهه. أما عن الايرادات المتوقعة من ضريبة الدخل الجديدة، فتشير المصادر إلى أن طريقة احتسابها وفقاً للشطور قد شهدت ارتفاعات هائلة وقد تُشكل عبئاً على بعض المكلفين، معتبرة أن الخطأ المشترك في كل القرارات التي تتخذ يكمن في عدم الرجوع إلى أصل المشكلة ومعالجتها، لا سيما وأنه لدى الحديث عن الضرائب في لبنان، لا يمكن إغفال مشكلة التهرب الضريبي والاقتصاد غير الرسمي الذي حرم الخزينة من مليارات الدولارات.

مخاوف الدولار الجديد الذي يترقب اللبنانيون آثاره على الأسعار والدولار في السوق الموازية والرواتب، لم تتضح بعد تداعياته على القروض السكنية والمصرفية المقومة بالدولار والتي ستبقى رهن قرار البنك المركزي لجهة تحديد أي من القروض المصرفية التي ستُعفى من سدادها وفقاً لسعر الصرف الجديد، وسط تهافت أصحابها على سدادها كاملة عبر شيكات مصرفية. وهنا تشير المصادر إلى وجود تفاوت لدى المصارف لجهة السداد عبر الشيك المصرفي، فهناك من يسمح بها كوسيلة لسداد القرض وهناك من يطالب المقترض بالدفع بالدولار حصراً، معتبرة أن عدم التزام بعض المصارف بتعاميم مصرف لبنان وقراراته أصبح شائعاً، وعلى “المركزي” أن يكون حاسماً خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لمنع أي مخالفة في هذا الاطار، مع الأخذ في الاعتبار أن سداد القروض بقيمتها بالعملة الأجنبية حصراً سيكون أمراً مجحفاً بحق المقترضين خصوصاً لأولئك الذين يُحصلون رواتبهم بالليرة اللبنانية.

إذاً، تداعيات بالجملة سيشهدها لبنان لناحية سعر صرف الدولار الجديد الذي أصبح أمراً واقعاً لا مفر منه، فعلى الرغم من أهمية الخطوة لناحية تلبية مطلب رئيس من مطالب صندوق النقد الدولي، إلا أنها تأتي وحيدة في ظل غياب واضح للاصلاحات الضرورية التي تُكمّل بعضها البعض، والتي كان لا بد من تنفيذها لضمان حسن تطبيق هذه القرارات والسير على الطريق الصحيح نحو التعافي الاقتصادي، لا سيما وأن الانتقال من سعر صرف إلى آخر يحتاج إلى مؤشرات إيجابية تجعله سلساً من دون إحداث المزيد من التشوهات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

شارك المقال