ملايين الدولارات دعماً للاصلاح

هدى علاء الدين

تغيب مصادر الدولار عن لبنان بصورة رسمية باستثناء الأموال المقدمة من المنظمات الدولية والجهات المانحة والتي غالباً ما تأخذ طابع المساعدات الانسانية البحتة أو المشاريع التنموية التي تزداد الحاجة إليها وسط عقم حكومي لم يولد حتى اليوم أي حل اقتصادي أو اجتماعي، لتلعب بذلك هذه المنظمات والجهات دور الدولة في تأمين ما يحتاجه الشعب بمختلف شرائحه حتى بات الاعتماد على المساعدات الوسيلة الوحيدة للصمود.

وفي هذا الاطار، كان إعلان الاتحاد الأوروبي منذ أيام عن تخصيص 229 مليون يورو أي ما يعادل 240 مليون دولار لتعزيز الاصلاحات والتنمية الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها في لبنان بهدف دعم شعبه خلال الظروف الاجتماعية والاقتصادية. وقد حدّد الاتحاد العديد من الأولويات لهذه الحزمة المالية الجديدة، بحيث تتمثل الأولوية الأولى في تعزيز الحكم الرشيد ودعم الاصلاحات، إذ سيُساعد الاتحاد الأوروبي لبنان في تنفيذ الاصلاحات المتعلقة بالادارة العامة مع التركيز على النزاهة والشفافية والمساءلة، بما يتماشى مع الفرص التي حددتها اتفاقية مستوى موظفي صندوق النقد الدولي الأخيرة، مشيراً إلى أن مساعدته تهدف الى إصلاح الخدمة المدنية وإصلاح إدارة المالية العامة والوصول الى المعلومات.

أما الأولوية الثانية، فتتمثل في العمل مع الجهات الفاعلة في الدولة والمجتمع المدني لتمكين المرأة اللبنانية والمساهمة في المساواة بين الجنسين عبر زيادة قيادتها ومشاركتها في الساحتين السياسية والعامة والعمل على خلق بيئة لتمثيل أفضل للمرأة في القوى العاملة ودعم تنفيذ التشريعات لحمايتها من جميع أشكال العنف.

أما الأولوية الثالثة فتشمل تعزيز الانتعاش الأخضر والمستدام من خلال دعم أجندة لبنان الخضراء والانتقال إلى الطاقة المتجددة وتمويل معدات كفاءة الطاقة في مباني القطاع العام والمساهمة في توفير خدمات عامة أكثر كفاءة، مع التركيز على زيادة القدرة التنافسية للصناعات اللبنانية، ولا سيما قطاع الأغذية الزراعية، عبر تعزيز ريادة الأعمال والابتكار ونقل التكنولوجيا من أجل حلول الطاقة المستدامة. هذا فضلاً عن مواصلة الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدة كبيرة للاجئين اللبنانيين والسوريين المستضعفين ومساعدتهم في الوصول إلى الخدمات الأساسية التي تشتد الحاجة إليها في مجالات الحماية الاجتماعية والتعليم والصحة وتوفير المياه.

في الوقت الذي يعيش فيه لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية والمالية، يواصل المجتمع الدولي حرمان لبنان الرسمي من أي هبات أو تبرعات أو قروض مالية بعد أن أهدر عبر سنوات مليارات الدولارت في الفساد. ومع عدم إجراء الاصلاحات الرئيسة التي تُشكل المدخل الأساس لاستعادة التعافي الاقتصادي ووقف عجلة الانهيار، تبقى المساعدات الانسانية والاجتماعية التي تصل مباشرةً إلى المحتاجين إليها في لبنان بعيداً عن دهاليز النهب والسرقة رسالةً واضحة بعدم ترك اللبنانيين في محنتهم بعدما تخلّت السلطة السياسية عنهم. وعلى الرغم من ازدياد وتيرة المساعدات الدولية والأممية وارتفاع قيمتها مع تفاقم الضغوط المعيشية والغذائية، إلا أنها لا تزال غير كافية لانتشال لبنان من أزمته خصوصاً وأن المطلوب اليوم يبقى أبعد بكثير من تلقي هذه المساعدات. كما أن فقدان الثقة مع دول الخليج العربي التي تميزت على مرّ التاريخ الحديث بكونها المانح الأكبر والمساهم الأول في تدفق الموارد المالية والقروض الميسرة وحزم المساعدات، كبلت الحكومة اللبنانية بعد أن فقدت السند المالي الأهم وقت الأزمات.

يعوّل اللبنانيون اليوم أكثر من أي وقت مضى على المساعدات الخارجية التي تخفف من وطأة الأزمة عليهم، بعدما فقدوا الأمل في تصحيح الخلل الذي أصاب هيكل الاقتصاد اللبناني في المدى القصير، إذ لا يبدو أن لبنان قادر على التخلي عن برامج الدعم الغذائية والطبية والتعليمية المقدمة إليه مع سقوط أكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر حتى باتوا أسرى هذه المساعدات إلى حين استيقاظ المارد السياسي المعطل من سباته.

شارك المقال