أي مصير ينتظر اللبنانيين في العام 2023؟

فدى مكداشي
فدى مكداشي

يترقب اللبنانيون عام 2023 بكثير من القلق والريبة والشك، ويحملهم إلى ذروة جديدة من مسار انهيار دراماتيكي لم يهدأ منذ خريف 2019، وهم مشغولون بما سيؤول إليه وضعهم المعيشي، بعدما بلغ انهيار الليرة نهاية العام 2022 مستويات صادمة، بتجاوز سعر صرف الدولار الواحد الـ 46 ألفاً. وينتظر اللبنانيون انكشافات عدة على الصعد كافة بعدما باتوا متأكدين من أن كل محاولات وخطط الانقاذ التي أُعدت أو نوقشت أصبحت من الماضي وغير قابلة للتنفيذ أو أنها لن تبصر النور.

ويتساءل اللبنانيون عن مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج مساعدات تتراوح قيمته بين 3 و4 مليارات دولار، في وقت لم تُنفذ شروطه كاملة؟ وهذه المسألة تزداد تعقيداً مع الشغور الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وعدم قدرة البرلمان على التشريع والحدود الضيقة لصلاحيات حكومة تصريف الأعمال، إضافة إلى استفحال الخلافات السياسية وصراعات أصحاب المصالح حول كيفية الخروج من الأزمة أو على الأقل كيفية وقف الانهيار والتدهور.

علامة

في حديث لموقع “لبنان الكبير” مع الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة، يشير إلى أن “العام 2022 خبّأ مجموعة من المشكلات ستبصر النور مع بداية العام الجديد، خصوصاً وأنه لم يشهد أياً من الاصلاحات وخطط الإنقاذ الموعودة”، متوقعاً “أن تبدأ الاستحقاقات بالظهور مع بداية العام 2023، وأولها سيكون كيفية دفع الرسوم والضرائب المتوجّبة على المواطن اللبناني، علماً أن الشهر الأول من كل عام هو شهر الاستحقاقات الضرائبيّة المرتبطة بصورة وثيقة بسعر منصّة صيرفة، إذ أصبح سعر صرف الدولار 38 ألف ليرة، الأمر الذي سيرتب زيادة في الضرائب والرسوم المستحقة بمعدّل 20٪”.

ويلفت إلى أن “العام 2023 سيشهد فوضى اجتماعيّة وماليّة واقتصاديّة نتيجة للاقتصاد النقدي الخارج عن نطاق السيطرة والذي يُعتبر الطريقة المثاليّة لتحقيق التحوّل في بنية لبنان المالية والاقتصاديّة، والذي سيشهد القضاء كليّاً على ما تبقى من طبقة متوسطة هي عادة تشكّل البنية الأساسيّة في تكوين المجتمعات”.

ويضيف: “مع بداية العام الجديد، ستطل مشكلة الإيجارات ودولرتها خصوصاً وأن قانون الإيجارات المعمول به ينتهي مفعوله في الشهر الثالث من السنة الجديدة، مما سيعرّض عشرات آلاف العائلات الى التشرّد والتهجير القسري. وفي هذه السنة، لا يمكن بعد اليوم لأي من أجهزة الدولة أن تدّعي أنها قادرة على لعب الدور المطلوب منها، فلا وزارة الماليّة قادرة على لجم التضخّم ولا وزارة الاقتصاد قادرة على حماية المستهلك ولا وزارة الطاقة قادرة على الإيفاء بوعودها لناحية تأمين الطاقة ولو بالحد الأدنى”.

أما مشهد الكارتيلات والمافيات التي تتحكّم بالاقتصاد النقدي، فبحسب علامة “سيعود من جديد، حتى أن مصرف لبنان المسؤول عن انتظام سعر النقد والصرف بات تدخّله في الأسواق للجم التدهور فقط، وليس لتعديل اتجاه السوق”، محذراً من “تفاقم الوضع المعيشي أكثر، إذ ينتظر اللبنانيون تجّار الشنطة ليستقدموا الدواء، بحيث لم يعد بمقدور شركات الأدوية أن تتعاطى بتجارة الأدوية بصورة منتظمة”.

أمّا بالنسبة الى الودائع، فيعتبر علامة أن “اللبنانيين على موعد مع سلسلة أزمات ستتفجّر تباعاً بدءاً من أزمة الودائع المحتجزة من قبل المصارف والتي أمعنت الطبقة السياسيّة والمالية في اعتبارها مفقودة، بينما الواقع والقانون يؤكدان أن هذه الودائع موجودة ولكن هناك نيّة لشطبها واعتبارها متبخّرة”.

أبو خالد

أصبح من الواضح أن تفلت الجريمة والسرقة زاد بنسبة كبيرة خلال نهاية العام 2022، ومن المتوقع مع بدايات العام 2023 أن تتوسع مع ظهور أكبر للمشكلات المالية والاقتصاديّة في المرحلة المقبلة.

في هذا السياق، يشير الخبير في شؤون التنمية الاجتماعية رمزي أبو خالد إلى أن “بداية العام الجديد ستحمل مشكلات صحيّة واستشفائية ودوائية لأن كلفة الاستشفاء باتت كبيرة بغياب قدرة الأجهزة الضامنة على أن تلتزم بالأسعار المفروضة نتيجة ارتفاع أسعار الدولار”، معتبراً أن “العبء الذي يقع على المواطن اللبناني سيكون كارثياً خصوصاً أنه على الرغم من كل هذه الأعباء نشهد خطراً بإقفال الكثير من المستشفيات والمؤسسات الصحية. ومع فقدان الدواء في السوق، ستزداد الأعباء على المرضى اللبنانيين، لا سيما أن وزارة الصحة عبثاً تحاول ترتيب الأمور، ويبقى أن المؤسسات وشركات الأدوية والصيدليات عاجزة عن تأمين الأدوية بالمواصفات المطلوبة واللازمة وبالأسعار التي تعتبر مقبولة”.

ويوضح أن “منظمة الصحة العالمية حذرت من وجود دواء ملوث في السوق وستكون مضاعفاته خطيرة خصوصاً لدى الأطفال الذين يعانون من السرطان، وهذا الموضوع دقيق ويجب سحبه من السوق لأن تشريع دخول الدواء المهرب وغير المسجل في وزارة الصحة هو قتل متعمد للمرضى”.
أما على المستوى التربوي، ومع انتهاء العام 2022 على وقع الإضرابات المفتوحة لكل قطاعات التربية والتعليم، فيرى أبو خالد أن “هذه المشكلة ستنفجر مع بداية 2023 وتنعكس سلباً على مصير العام الدراسي وبالتالي على مئات آلاف الطلاب اللبنانيين في مختلف القطاعات”، لافتاً إلى أن “الكثير من المؤسسات التربوية في القطاع الخاص أصبح عاجزاً عن الاستمرار في ظل ترهل وانعدام قدرة قطاعات التعليم الرسمي التي بشّرت بأنه في العام 2023 سيكون هناك إضراب مفتوح لأن وزير التربية لم يفِ بأي من تعهداته بشأن تأمين الحوافز والدعم للأساتذة. ونقيب المعلّمين لفت الى أن الأساتذة لن يستطيعوا أن يكملوا التعليم في السنة المقبلة تحديداً في ظل الشلل الرئاسي والحكومي والتشريعي”.

أما على المستوى المعيشي، فيقول: “اننا مقبلون على مزيد من التدهور وارتفاع نسبة الفقر نتيجة ارتفاع تكلفة المواد الغذائية وتراجع تقديمات الجهات المانحة وبعض منظمات المجتمع المدني التي أصبحت تقديماتها متواضعة أمام حجم الكارثة اللبنانية”. ويؤكد في الوقت نفسه أن “لبنان لن يستطيع أن يستمر في تحمل أعباء النازحين في هذا الواقع في حال بقيت فكرة دمجهم مطروحة”.

شارك المقال