ما هي أساليب المصارف المتبعة لمعالجة القروض المتعثرة؟

أحمد محمد قاسم

تتبع المصارف في معالجتها للقروض المتعثرة طرقاً متعددة تهدف جميعها الى تحصيل هذه القروض وتخفيف نسبتها الى أدنى حد ممكن، فتعثر القروض المصرفية تسبّب بأهم الأزمات التي أصابت الاقتصاد العالمي ومنها أزمة الرهن العقاري التي أصابت أميركا وامتدت آثارها الى كل دول العالم نتيجة عدم قدرة الأفراد على سداد قروضهم بسبب ارتفاع الفائدة وتوريق الديون مما أدى الى افلاس العديد من المؤسسات المالية والبنوك، فتعثر القروض المصرفية ليس بالأمر السهل الذي يمكن تجاهله.

تحتاج عملية علاج القروض المتعثرة الى الكثير من التأني لأن لا عصا سحرية لعلاجها، كما لا يمكن وضع قواعد واجراءات عامة لحل مشكلات التعثر، انما تتم دراسة كل حالة على حدة لأن العلاج يختلف من حالة الى أخرى.

لذلك، تطرح العديد من الأسئلة حول الأساليب التي تتبعها المصارف لتحصيل ديونها سواء كان ذلك عن طريق الأساليب التي تنتشل العميل وتسانده أو التي تقوم بتسوية التعثر، وفي ما يلي أهم الوسائل:

1- أسلوب تعويم نشاط العميل

يقصد بتعويم العميل منح المصرف قرضاً اضافياً للعميل المتعثر بهدف مساعدته على النهوض بنشاطه باعتباره في وضعية مالية صعبة حالت دون امكان استمراره في تسديد التزاماته وأن الحل الأنسب لانقاذه يكمن في اعطائه تمويلاً جديداً، فيطرح أسلوب تعويم العميل عندما تكون مشكلة التعثر طارئة على المقترض نتيجة لظروف مؤقتة وغير دائمة، وتكون ذات تأثير على قدرة المقترض على السداد بحيث لا يستطيع تجاوزها بدون مساعدة المصرف، فالمصرف هنا يكون ملزماً بمساعدته للخروج من هذه الأزمة الطارئة لأن له مصلحة في تحسين أوضاع المقترض لتحصيل قرضه، والتعويم هو أول مرحلة في معالجة الديون المصرفية المتعثرة.

ولكن السؤال الذي يطرح حول ما هي الأسباب التي تدفع المصرف الى اتخاذ هذا القرار؟

عندما يلاحظ المصرف علامات التعثر على المقترض فانه سوف يحاول بشتى الطرق ايجاد الحلول لتجنب التعثر الكلي وانتشال العميل واعادته الى الطريق الصحيح لكي يتمكن من تسديد التزاماته، ويعتبر التعويم أولى هذه الطرق وأهمها بحيث يعطيه المصرف نفساً للابقاء عليه وحمايته من الغرق. وتجدر الاشارة الى أنه كلما تردى وضع العميل كلما غدت الخيارات المتاحة أمام المصرف ضئيلة، فهنا يقوم المصرف بالمفاضلة بين تعويم العميل أو تصفيته بحيث يختار الأسلوب الذي يستطيع من خلاله تحصيل أمواله بأفضل الشروط لناحية المدة والتكلفة والمخاطرة.

وأيضاً من الأسباب التي تدفع المصارف الى أسلوب التعويم، المحافظة على أموال المودعين بتقليل المخاطر على القروض التي تعد وجه الاستثمار الأول للودائع، اذ كلما انخفضت نسبة القروض المتعثرة كلما انخفضت المخاطر على الودائع، وأسلوب التعويم هو أحد الأساليب الحبية التي تضمن عودة الودائع.

فالتعويم يعتبر من أخطر القرارات لأنه يؤدي الى زيادة الالتزامات الملقاة على عاتق المقترض تجاه المصرف، ويجب أن تتم هذه العمليات بأسلوب حرفي ومهني حتى لا تصبح وبالاً على المصرف، وقد يتبادر الى الذهن أن الحقن النقدي يعني ضخ الأموال للعميل لاقالته من عثرته وهو يبعد كل البعد عن قواعد الأمن والسلامة، فهذه العمليات يجب أن تتم بطابع يغلب عليه السداد الموجه وليس صرف مبالغ نقدية مباشرة للعملاء، فأساس نجاحها هو أن توجه لعمليات سريعة تغل عائداً سريعاً يسمح بسداد الالتزام الاضافي الناتج عن الحقن النقدي بالاضافة الى جزء من الالتزامات السابقة.

2- أسلوب انتشال العميل

تعتبر عملية انتشال العميل المتعثر من العمليات المهمة والتي تساعد في كثير من الأحيان العملاء المتعثرين عن الدفع وهي في الغالب توجه الى أصحاب المشاريع الكبيرة لأن القروض الشخصية والاستهلاكية وغيرها من القروض الصغيرة لا تحتاج الى هذا الأسلوب، فالمصرف الدائن يقوم بمجموعة من الاجراءات والتي يتم من خلالها التدخل المباشر وغير المباشر في ادارة نشاط العميل وفقاً لخطة يضعها المصرف ويوافق عليها الطرفان وهي تهدف الى انقاذه وحصول المصرف على حقوقه. وهنا قد يعمد المصرف الى تحويل جزء مهم من المديونية أو حتى كامل المديونية الى مساهمة في رأس المال ويصبح شريكاً للعميل ويتدخل تدخلاً مباشراً في ادارة المشروع، ومن ايجابيات هذا القرار أنه قد يساهم في ارتفاع أسهم العميل أو على الأقل وقف تدهورها في الأسواق المالية.

3- أسلوب انعاش العميل

تمثل هذه المرحلة أهم المراحل لأنها تقوم على مجموعة من الاجراءات والقواعد التي تحوّل العميل من عميل متعثر الى عميل غير متعثر أو عامل بحيث يستعيد نشاطه، وتتم عملية الانعاش من خلال منحه قروضاً جديدة وبشروط ميسرة تخوّله استعادة نشاطه. وتجدر الاشارة الى أن قرار انعاش العميل هو من أخطر القرارات التي يتخذها المصرف لأنها قد تضعه في حالة خسارة مضاعفة فيما اذا فشلت عملية انعاشه وكانت ضماناته غير كافية.

ولكي يتبنى المصرف هذا الأسلوب لا بد من التحقق من مجموعة شروط أهمها، أن تكون حالة الركود والكساد التي أصابت الدورة الاقتصادية والتي سببت إعسار المقترض قد شارفت على الانتهاء أو انتهت بالفعل وأن سبب الاضطراب المفاجئ الذي حصل له قد تمت معالجته، وأن تكون لدى العميل المقترض والمتعثر الرغبة في تجاوز الأزمة ولديه الاستعداد التام لتحمل الجهد والتكلفة والمخاطر التي يتضمنها قرار الانعاش، وأخيراً، أن تكون قيمة القرض الاضافية الممنوحة للمقترض المتعثر قادرة على دفعه نحو التعافي وإخراجه من أزمته والتأكد من أن منح القرض سوف يحقق للمصرف استرداد نسبة كبيرة من القرض الأصلي بالاضافة الى القرض الجديد.

 4- اعادة جدولة القرض المتعثر أو هيكلته

يعتبر أسلوب اعادة الجدولة من أهم أساليب التسوية التي تتبعها المصارف في معالجة القروض المصرفية المتعثرة. فالأسباب التي تواجه المقترض تجعله في حالة عسر مالي مؤقت أو نقص في السيولة بحيث يكون المشروع غير قادر على مقابلة التزاماته أو ما يعرف بعدم وجود توافق بين التدفقات النقدية الداخلة والاستحقاقات النقدية الخارجة.

عرفت لجنة الرقابة على المصارف الجدولة بأنها “الديون التي تقوم المؤسسة بالاتفاق مع العميل بتعديل شروطها و/أو طريقة و/أو برنامج تسديدها بهدف تمكين العميل من تجاوز الصعوبات المالية الحاصلة أو المرتقبة وتأمين استمرار نشاط العميل الاقتصادي والمحافظة على قدرته على السداد”.

وكذلك فان مصرف لبنان وفقاً لتعاميمه حرص على إقرار حق المقترض عند مواجهة صعوبات مالية تمنعه من الايفاء بالتزاماته أو تسديد أقساطه في الوقت المحدد مراجعة المصرف بهدف ايجاد الخيارات الأنسب ومنها اعادة جدولة التزاماته. فلنفترض أن مقترضاً راتبه مليون ليرة لبنانية ودفعته الشهرية تبلغ ستماية ألف ليرة لبنانية، فهو واقعاً لا يستطيع السداد، هنا عليه التوجه الى المصرف بهدف خفض قيمة الدفعة الشهرية وتمديد المدة (مع ما يستلزمه ذلك من زيادة في الفوائد) بحيث تتناسب مع القوانين وتعاميم مصرف لبنان.

هذه الأساليب وغيرها يجب التشجيع عليها في المرحلة المقبلة بعد أن تهدأ المصارف من مرحلة صيرفة وتتفرغ لمعالجة مشكلاتها الأساسية وأهمها القروض المتعثرة.

شارك المقال