“صيرفة” تشتري الوقت خدمة للسياسيين

هدى علاء الدين

لا تزال منصة “صيرفة” مالئة الدنيا وشاغلة الناس حتى أصبح السؤال عن سعر الصرف عبرها من اليوميات الروتينية للمواطن اللبناني، لا سيما وأنها تؤثر بصورة مباشرة على قيمة الدولار الذي يحصل عليه شهرياً في ظل الفارق بين سعرها وسعر الصرف في السوق الموازية الذي يلامس اليوم الـ20000 ليرة للدولار الواحد. وعلى الرغم من أن المنصة بحد ذاتها وُجدت بهدف لجم سعر الدولار، إلا أنها أصبحت تجارة مربحة للعديد من تجار الدولار الذين وجدوا في ارتفاع سقف “صيرفة” من 500 مليون ليرة إلى مليار ليرة فرصة سانحة لتحقيق الربح. وفي كل مرة يرفع فيها سعر المنصة يجد المستفيدون منها، من دون إغفال مصرف لبنان والمصارف وحتى الدولة، أنفسهم أمام لعبة رابحة تؤمن لهم الايرادات والدولار فريش والليرة لزوم احتياجاتهم ومنفعتهم.

وعن الهدف من الابقاء على المنصة، وكيفية تعاطي المصارف معها ومن هو المستفيد الفعلي منها، أشار الكاتب والباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة البروفيسور مارون خاطر في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “إنشاء منصَّة رسميَّة كمنصة صيرفة يشكل خطوة متقدمة باتجاه تنظيم سوق القطع إذا ما أنشئت في بلد تتوافر فيه مواصفات الدولة. أما انشاؤها في شِبه بلد، فيعني ذلك تقلّص دورها لتصبح أداةً لتبريد السوق الموازية ولشراء الوقت تماماً كما يحصل في لبنان”، متسائلاً: “كيف يُمكن لمنصة ترتكز على تسجيل العمليات أن تنجح على أرضٍ حدودها سائبة ودولتها غائبة واقتصادها نقدي ومصارفها متمرِّدة وقانونها وجهة نظر وقضاؤها مسيّس وحكامها مدرسة في الفساد المزمن؟”.

وبحسب خاطر، فإن الهدف الأساس وراء إنشاء “صيرفة” هو محاولات تقليص هامش الفرق بين سعر المنصة وسعر السوق الموازية. إلا أنَّ ذلك لا يمكن أن يكون إلا نتيجة لحل متكامل في السياسة ثم في الاقتصاد والمال والنقد. وفي غياب الحلول، بات المشهد مغايراً إذ تحولت “صيرفة” من “معيار ضبط” للسوق الموازية الى “تابع” لما تقرره هذه السوق. أما الإصرار على الابقاء على هذه المنصة فيعود الى أسباب عديدة ليس آخرها ربط سعرها بسعر العديد من الخدمات واستعمالها كوسيلة للجم الارتفاعات الجنونية في سعر الصرف وإن كانت فعاليتها تَشهد ُانخفاضاً ملحوظاً بفعل انخفاض مرونة السوق.

ولفت الى أن “صيرفة” بدأت مؤخراً تؤدي خدمةً نقدية من نوع آخر، إذ باتت تشكل أداة لتجفيف السوق من الليرة عبر إيداع الأموال لدى المصارف لفترة أطول قبل تنفيذ العمليات بعد أن تم رفع الحد الأدنى للعمليات. وبذلك تكون استنسابية المصارف في تنفيذ العمليات كمّاً ونوعاً تؤدي خدمةً للمصرف المركزي، وهو الجهة الوحيدة المتورطة في الأزمة والتي لا تزال تحاول تأخير الكارثة عبر محاولتها منع انفلات سعر الصرف وهي مهمة ستصبح مستحيلة إن طال الوقت وغابت الحلول.

واعتبر خاطر أن “صيرفة” تبدو، في خِضمّ الفوضى القانونيَّة والمصرفيَّة التي نعيشها اليوم، عبر شرائها للوقت، وكأنها في خدمة السياسيين غير العابئين بمصير لبنان واللبنانيين. من ناحية أخرى، تُسدي المنصَّة بحلتها المتجددة خدمة ذهبية لأصحاب المليارات والنفوذ داخل المصارف وهم قادرون على تحقيق المزيد من المكاسب في الوقت الذي لم يَعُد الموظف ذو الراتب المتواضع “مؤهلاً” للافادة منها.

وختم بالقول: “صيرفة صورة مُصَغَّرة عن لبنان التابع، المتأرجح والمَجهول المَصير!”.

شارك المقال