الصباح الأسود: مئة ألف ليرة ودولار

هدى علاء الدين

لم يُكذّب الدولار التوقعات واتجه بسرعة فائقة نحو سُلم الـ 100 ألف ليرة وما فوق ملقناً الليرة اللبنانية درساً في الانهيار، بحيث شهد سعر الصرف في السوق السوداء ارتفاعاً قياسياً تراوح بين الـ 100000 و100500 ليرة للمرة الأولى منذ بدء العملة الوطنية مسلسل تراجعها اعتباراً من نهاية العام 2019. صباح الليرة الأسود حلّ ثقيلاً على الأسعار كافة التي شهدت ارتفاعات ملحوظة أبرزها المحروقات والخبز والسلع الغذائية التي بات سعر الصرف في السوق الموازية يتحكم بتسعيرها يومياً.

قصة الدولار والمئة ألف كتبها صنّاع الأزمات على مدار السنوات الأربع في فصول حملت معها كل مقومات الانهيار وأدواته. قبل عام وتحديداً في 14 آذار 2022، وصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى 22500 ليرة وسعر الصرف عبر منصة “صيرفة” الى 20750، لتكون الليرة بذلك قد تراجعت في عام واحد حوالي 78000 ليرة للدولار الواحد أي أكثر من الضعف، في الوقت الذي ارتفع فيه دولار المنصة إلى 78000 أي بزيادة قدرها 57000 ليرة للدولار الواحد. لم يكن مسار السقوط المدوي وليد لحظته، بل أسهمت عوامل كثيرة في دفع الليرة إلى قعر الانهيار بثبات من دون أي معالجات أبرزها التناحر السياسي الذي سدّ أفق الحلول ودفع لبنان إلى تحمل خسارات اقتصادية ومالية بالجملة، وقلة حيلة من كان يجدر بهم أن يضعوا الخطط المتكاملة والمنصفة للجم سعر صرف الدولار. فالفترة المالية الممتدة من شباط 2023 إلى آذار 2023 كانت كفيلةً برفع الدولار من 70000 إلى 100000 ليرة، لتخسر بذلك الليرة اللبنانية 98.5 في المئة من قيمتها وتكسر كل الحواجز النفسية غير آبهة للتداعيات التي خلّفتها.

عام 2021، أشارت التوقعات إلى أن سعر صرف الدولار سيصل إلى الـ 50000 في العام 2022. وفي 2022، كانت التوقعات للعام 2023 أكثر شدة وقسوة مع الاشارة إلى تحطيم الدولار كل الأرقام وكسر حاجز الـ 100000 وأكثر. اليوم، لم يعد التنبؤ بمسار الدولار غداً أو بعد غد أمراً صعباً لا سيما وأن الفشل والإخفاق في معالجة الأزمة الاقتصادية نجح في رسم خارطة طريق لليرة عنوانها ليس انهيارها فحسب بل زوالها. ومع تهيئة الأرض الخصبة وتقاسم أدوار التعطيل والهروب من المسؤولية ومحاولات إثبات فشل النظام الاقتصادي أياً كان الثمن، ستشهد الليرة مجدداً أكثر من صباح أسود طالما أن انهيارها أصبح عادة.

شارك المقال